|
يأتي دور الكتب الإلهية المنزلة على أنبياء الله ورسله (عليهم السلام)، الذين يعملون من منطلق وحي الله على بناء نظامٍ متكاملٍ للحياة، والمتأمل في حركة الرسل من خلال ما تضمنه القرآن الكريم في ما قصه الله على رسوله الكريم محمد (صلوات الله عليه وآله)، من قصص لبعض أنبيائه ورسله، ولاسيما أولي العزم منهم، يجد أن الأنبياء كانوا يعملون على مخاطبة قومهم بكل الأساليب الممكنة، التي يتسنى لهم بموجبها الوصول إلى قلوب وعقول مجتمعاتهم من أقرب طريق، وهم مع ذلك لا يكتفون بتقديم الحجج والبراهين الشاهدة على صدق دعوتهم، والمؤكدة على نبوتهم، بل يحرصون في سياق قيامهم بمهمة التبشير والإنذار، على تقديم الشواهد المختلفة للناس، على أن ما جاؤوا به هو الحق، سواءً في سلوكياتهم، أو في معاملاتهم وأخلاقياتهم، فكل أعمالهم وممارساتهم وتصرفاتهم ونشاطاتهم وعلاقتهم بمن حولهم، ونظرتهم للناس، وطرقهم في التعامل معهم ومع حل مشكلاتهم دعوةٌ لهم إلى الله سبحانه، تماماً كما هي أقوالهم، وبذلك تلتقي النظرية بالتطبيق، وتقترن الأقوال بالأفعال والممارسة، فتصبح علاقة المجتمع بالرسول والرسالة علاقة حب واتباع قائمةً على الرحمة والمودة، ومبنية على الصدق في التولي والأمانة في الالتزام، ومعبرةً عن القناعة الراسخة، التي تجعل صاحبها يسير في الخط الذي اختاره له الله، ودعا إليه رسوله وكان أول السائرين عليه والملتزمين بمضامينه وإيحاءاته دون أن يتراجع أو يهتز مهما كانت التحديات والخطوب، وهو على استعداد أن يضحي بوجوده ونفسه وكل ما لديه في سبيل ما يؤمن به.
من هنا، يتبين لنا أن علاقتنا بالله وبالرسول وبأعلام الهدى هي علاقة اتباع واعٍ لا تبعية عمياء، لأنك واجدٌ في كل ما يدلك على رحاب الله، من منهاج وطرق ومعالم وأعلام ما يجعلك تتحرك وأنت صاحب فكر، ورجل مسؤولية، تملك الإرادة والاختيار في كل ما تقوله أو تفعله، وقد يأتي بعض الذين يلبسون الحق بالباطل ليقولوا للناس: إن انتقادكم لما يصدر عن هذه الشخصية والجهة أو تلك من تجاوزات وأخطاء وممارسات ظالمة هو دليل عدم تسليمكم لله وللرسول وللأعلام الهداة والمهديين. وهذا ليس صحيحاً إطلاقاً، لأن ولاءنا لله ولرسوله ولعلم الهدى، وتسليمنا المطلق لله ورسوله وأوليائه، يفرضان علينا الوقوف بحزم في وجه كل من ينحرف عنهما ويبرر انحرافه باسمهما، لأن التسليم معناه: أن نسير على الطريق الذي اختاره الله لعباده كي يسيروا عليه، وبالتالي فإن كل ما يخالف ما أراده الله هو دليل عدم التسليم، بل هو فسق، وكل ما يتعارض مع إحقاق الحق ونشر العدل والمساواة بين الناس، وحفظ كراماتهم وحرياتهم وحقوقهم، هو متنافٍ مع الولاية بمفهومها العملي، كما أن مدرسة الإسلام الأصيل ترفض التبعية، التي تلغي لدى الأتباع الحق في التعبير والاختيار والتفكير، لأنها تريد من كل مَن ينتمي إليها أن يكون عامل قوة في ما سيقدمه من خبرات ويدلي به من أفكار ويقدمه من نشاطات وأعمال، ولا تريد للمنتمين، أن يكونوا مجرد أكوام لنفايات مهملة لا تضيف شيئاً للحياة والأحياء، وإنما تصبح عبئاً يضاف إلى بقية الأعباء التي لا يتوقف وجودها على إعاقة الحركة لدى بقية المنتمين ولكنه قد يميتها ويقضي على كل عناصرها من الداخل وبشكل كامل.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 25 فبراير-شباط 2022 11:11:12 م