|
إن زمناً اختلط فيه الحابل بالنابل، واستوى فيه الحق والباطل، وتبدلت فيه المعايير، واختلت الموازين وتغيرت المفاهيم، كافٍ بأن يعطينا الدافع القوي للعمل على تلمس النقاط المضيئة في تاريخنا الإسلامي المشرف، والذي لم تطله يد التحريف والوضع، وخصوصاً في ظل محاولاتنا اليوم المتواصلة والمستمرة في العودة إلى الشوط من جديد، بعد فترة غياب طويلة دامت لقرونٍ من الزمن، جعلتنا نرى الإسلام يتحرك بوهنٍ وضعف، نتيجة ما أصابه من تزييف ولقيه من تدمير واعتساف وتشويه، طوال مراحل متعددة ومختلفة من الحقب المظلمة والعهود السود، لحكام الجور والبطش والتسلط والفساد والاستبداد، الذين كانوا السبب الرئيس في ضياع الأمة ومقدراتها، وفي تمكين المستكبرين من رقاب شعوبها واحتلال أقطارها.
ولعل أهم شيء يحتم علينا العمل على معرفته هو: جانب العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لأن هذا الجانب بالذات وراء كل الانتكاسات والانهيارات والهزائم والنكبات والمفاسد والمظالم التي لحقت بنا عبر الزمن، وما لم نعمل على تقديم هذه العلاقة ببعدها الإسلامي الصحيح ومفهومها القرآني الحق والواضح، فإن محاولاتنا في مجال التغيير والإصلاح ستبوء بالفشل، ولم يكن سعينا في الخلاص من طاغية أو مستبد إلا مدخلاً لإيجاد طاغيةٍ ومستبدٍ آخر، تماماً كما حصل في الماضي أن استبدلت الأمة طواغيت بني أمية بطواغيت بني العباس، لأنها فقدت الحس الواعي والنظرة المعرفية اللذين تتمكن من خلالهما من وضع الأمور بمواضعها السليمة والحقيقية، إذ ترسخ في ذهنيتها طوال مراحل ما بعد انقلاب السقيفة، مفهوم أن الحاكم أو الخليفة هو الذي يجيش الجيوش ويجمع الخراج والجبايات والزكوات، ويدير الشؤون المختلفة بقبضة من حديد، بالمستوى الذي يضمن له البقاء على رأس السلطة ولأبنائه من بعده إلى ما لا نهاية، ولكي يتحقق له ما يريد، لا بد له من العمل على ما يمكنه من إذلال المجتمع، وتحطيم نفسيته من الداخل، بمختلف الأساليب التي تصل به في نهاية الأمر إلى قتل الإنسان في تلك المجتمعات معنوياً، إلى جانب الاستمرارية في التنكيل والقتل المادي،، بالإضافة إلى التشجيع على إشاعة ثقافة التهتك والانحلال، مع الإمعان في تنمية وتعزيز الفوارق بين الطبقات، بحيث يصبح من حق قلة من الطغمة الفاسدة والمستغلة التمتع بكل المقدرات، والتملك لكل ما تريد، في الوقت الذي تكتوي فيه الأغلبية بويلات الفقر المدقع، وتبيع إنسانيتها وكرامتها تحت ضغط الحاجة.
ومع هذا يبقى عليها حق الطاعة مهما بلغ بها الحال في ظل الألم والمعاناة، «وإن جلد ظهرك وأخذ مالك».. وهكذا استمر الوضع تحت هذا العنوان أو ما يشبهه ويفي بذات الغرض حتى اليوم، ولم تكن فرقة أو فئة من المسلمين على اختلاف مذاهبهم بريئة من ذلك أبداً، وذلك ليس نتيجة عدم وجود نظم تشريعية تبين هذا الجانب المتعلق بالحاكم والمحكوم، أو نتيجة غياب النموذج الذي يعطيك الفكرة ببعديها العلمي والعملي، وإنما نتيجة تغلب هوى النفس وطمعها على ما يريده الله عز وجل، وإيثار الدنيا على الآخرة.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 28 فبراير-شباط 2022 08:09:08 م