|
تقول الأخبار إن مجلس التعاون الخليجي يدرس اليوم فكرة البدء في مشاورات لإنهاء النزاع في اليمن، بل أعلن ذلك، ويبدو أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لم يستوعبوا بعد أن النزاع في اليمن ليس نزاعا يمنيا يمنيا حتى تستضيفه الرياض، وربما – بحكم الطبيعة البدوية الصحراوية – قد كذبوا على الرأي العام الخليجي فصدقوا كذبتهم، ولذلك كان إعلانهم أحمق كطبيعتهم البدوية التي تتقبل الكليات دون تحليل وروية .
صنعاء تخوض معركتها الوجودية مع قوى الشر العالمي، وقوى الشر العالمي تتخذ من السعودية ومن الإمارات أذرعا لتنفيذ أجندات، لذلك فالنزاع في اليمن ليس بين يمنيين، بل بين اليمنيين وبين السعودية والإمارات، وهما يمتطيان وجوها يمنية لبلوغ غايتهما وغاية أسيادهما من اليمن .
ومجلس التعاون الخليجي كان شريكا أساسيا في العدوان على اليمن وظل منحازا إلى خيار تدمير اليمن والعدوان عليه، وهذا أمر لا يمكن الجدال فيه، وبالتالي فالدعوة التي أعلنها لا يمكن الوثوق بها بل يمكن اعتبارها أثرا مباشرا لتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا .
يدرك مشايخ الخليج أن ثمة متغيراً دولياً قادماً، ولذلك سارعوا إلى ذلك الإعلان كخطوة استباقية قد يهربون بها إلى أخف التبعات، لكن فاتهم أن صنعاء لا يمكنها أن تجلس على طاولة المشاورات في الرياض لعدة اعتبارات، منها أن الرياض تشن عدوانا على اليمن منذ ثمانية أعوام وبالتالي فالعدو لا يمكنك أن تحاوره في بلده إن أراد صلحا، كما أن سلوك الرياض مع خصومها قد دلت عليه الشواهد ومن الغباء المفرط التعامل مع ذلك السلوك بمبدأ الثقة والضمانات مهما كان حجمها أو لونها أو صدقها أو غاياتها .
لو كان مجلس التعاون الخليجي جادا في مساعي المشاورات لكان في إعلانه اقترح بلدا أو عاصمة خليجية يجد أهل اليمن في أنفسهم لها مودة وأنسا مثل مسقط أو حتى الكويت، فلا غضاضة في ذلك، وقد ذهبوا إلى الكويت رغم موقفها المؤيد للعدوان ومشاركتها ومساهمتها في ذلك، إلا أن بعض الشر أهون من بعض .
ذلك أمر، أما الأمر الآخر فهو يقظة مجلس التعاون الخليجي بعد سبات ثمانية أعوام حسوما، كان القوم فيها صرعى كأعجاز نخل خاوية لم نر لهم من باقية، فقد نابت أمريكا عن ذلك في زمن ترامب وكان التنفيذ علنا دون الحاجة إلى ساتر أو غطاء قد يحجبه، فالشفافية التي امتاز بها ترامب عطلت الكثير من المؤسسات التي كانت تدير بها أمريكا منطقة الخليج والجزيرة ومنها مجلس التعاون الذي عاد إلى واجهة الفعل السياسي اليوم، وفي أجنداته أن يصوغ مبادرة تشبه مبادرتهم السابقة التي كانت سببا مباشرا في تأزيم اليمن ودخوله في هذا النفق المظلم، ووضعه تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يتعذر اليوم تعذرا كليا لأن وعي القيادة اليوم وموقفها يختلف تماما عن المماثل له في موجة الغضب التي حدثت في 2011م.
صنعاء اليوم تخوض حربا وجودية مع قوى الشر العالمي وهدفها واضح وجلي وهو الحرية، والسيادة، ورفض الوصاية، ورفض ثنائية الخضوع والهيمنة عليها، فالحرب لم تلن جانب صنعاء بل زادتها قوة وصلابة بل وتمسكا بالموقف، فهي اليوم تملك زمام المبادرة وزمام الحرب بيدها، وقوة الردع بيدها، وقد سجلت مواقف وقف العالم أمامها في ذهول .
لقد ارتكبت السعودية حماقة كبرى بعدوانها على اليمن، فالعدوان جرح لن يندمل وسيظل ينزف مهما كانت المعالجات والحلول والتعويضات، ومع حركة التبدل في الموازين الدولية سوف تكتشف السعودية حجم الكارثة التي وقعت فيها وأبعادها النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأثر المترتب على العلاقات الجيوسياسية والبناءات الديموغرافية، ولعل حركة الغضب وتراكمات الأحداث في المناطق السعودية المتغايرة في ثقافتها ومعتقداتها الثقافية عن سلفية الوهابية سوف تخبرنا عن حركة انقسامات كان العدو يخطط لها منذ أمد كبير وقد بلغ غايته منها من خلال غباء العدوان على اليمن .
اليمن اليوم غيره بالأمس طبعا، فقد دمرته الحرب لكنه خرج منها أصلب عودا وأشد موقفا وسيطرة على مقاليد المستقبل، وكأن المعادلة تغيرت إلى مسار لم يكن متوقعا للنظام السعودي ولا الأمريكي ولا الصهيوني، ويبدو أن الروس سوف يتركون أثرا على حركة التوازن الدولي، وبذلك تكون الرياح قد جاءت بما لا يشتهي النظام السعودي فسارع إلى إحياء دور مجلس التعاون الخليجي، حتى يجد للنظام السعودي مخرجا حسنا ولن يصل إليه إلا بشروط أهل اليمن .
صنعاء تعلن مرارا وتكرارا على لسان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أنها مع السلام العادل والمشرف ولن تكون مع الاستسلام، ولذلك إذا أراد القوم سلاما فلن تقبل صنعاء أن تستضيف الرياض المشاورات المعلن عنها، فذلك أمر غير قابل للتحقق .
في الجمعة 18 مارس - آذار 2022 07:13:31 م