|
يقدم دين الله الحقُ لأتباعه وحملة رايتهِ الذين يُقيمون حياتهم وحضارتهم الوجودية وفق تعاليمه، ويُقيّمون أنفسهم والآخرين والواقع من حولهم من خلاله، المنهجيةَ التربويةَ الشاملةَ، التي متى ما علمناها علمَ معرفةٍ ووعيٍ، والتزمناها التزامَ إيمانٍ وعقيدةٍ وحركةٍ في ساحة العمل للنهوض بمسؤوليتنا في مختلف المجالات، استطعنا إيجاد نظام متوازن على كل المستويات، نظام يتم لنا بموجبه أن نتكامل، بحيث لا يطغى شيء على شيءٍ آخر، ولا إنسانٌ على إنسانٍ آخر، وذلك باعتبار معرفتنا بالله المنطلقة من اليقين بوحدانيته، وإخلاص العبودية له، تفتح القلوب والأسماع والأبصار على آفاق عظمته وسعة ملكه، ومعاني رحمته ودلائل إحاطته بكل شيء، علماً وتدبيراً ورزقاً، وحركةً وسكوناً، وموتاً وحياةً، وقوةً وضعفاً، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالانسحاق أمام الله سبحانه، مهما علت مكانتنا، وتعاظم جاهنا وسلطاننا، وكثرت أموالنا، فنعيش التواضع للناس، ونتحرك من واقع إيماني تام، ونضبط جميع تحركاتنا ونشاطاتنا بضابط التقوى، وبهذا تكون معاييرنا التي تحكم النظرة والموقف والقول والفعل لدينا معايير إلهية، تحسب حساباً للربح أو الخسارة هناك في يوم القيامة.
وقد يحرص الإنسان أن تكون نظرته للمسؤولية التي يمثلها المنصب الذي وصل إليه على هذا الأساس في البدايات، ولكن هناك عوارض شتى قد تغير نظرته، وتنحرف به عن مساره، فبدل أن تكون خطواته معبرة عن الهدى والإحسان، تصبح معبرةً عن الظلم والفساد والطغيان، وأبرز تلك العوارض التي تمثل خطورة كبيرة، على حملة المسؤولية إذ قد يحولهم ذلك إلى إله كفرعون في قرارات أنفسهم وواقعهم العملي، ولربما نصف إله! هو المديح الزائد عن الحد، بغض النظر عن مدى مطابقته للحقيقة والواقع أم لا، لأنه مهما كان صادقاً فإن لكثرته مع كل حركة أو كلمة لهذا المسؤول أو ذاك أثراً سلبياً في نفس الممدوح والمادح والجماهير، فالممدوح كلما غمره المادحون بجميل الثناء تنامت لديه مشاعر الزهو والعظمة، وبالتالي يبدأ في مرحلة الاستغراق في نفسه وينقطع إلى ذاته وينسى ربه، أما المادح والسامع فإنهما يصبحان لا يريان شيئاً أحق بالتذلل والانسحاق بين يديه سوى ممدوحهما، فهو الحياة والوجود والقيمة، مهما طغى وأفسد وبغى وتجبر وظلم.
وقد حذر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الأمة من مغبة الوقوع في ذلك، بقوله لدهاقنة الأنبار عندما أسرعوا إليه وترجلوا بين يديه، إذ قال: ما هذا الذي صنعتموه. فقالوا: خلقٌ نعظم به أمراءنا. فقال: والله ما ينتفع به أمراؤكم، وإنكم لتشقون به على أنفسكم في دنياكم، وتشقَون به في آخرتكم، فما أخسر مشقةً وراءها العقاب، وأربح دعةً وراءها الأمان من النار.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 13 إبريل-نيسان 2022 03:49:07 ص