|
تعتبر القضية الفلسطينية هي القضية الجامعة والمركزية للأمة الإسلامية، وتعدّ القضية الفلسطينية والوجود الاحتلالي الصهيوني في فلسطين، والتدنيس للمقدسات الإسلامية في القدس، والجرائم المروعة التي يرتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، من أهم معالم القضية الأساسية للعرب والمسلمين، ولأكثر من سبعة عقود مارس العدو الصهيوني الجرائم والفظاعات والتنكيل بحق الفلسطينيين، واحتل لبنان وأجزاء من سوريا ومصر، واليوم يحاول عبر مسار التطبيع مع بعض الأنظمة الخيانية ابتلاع المنطقة، ضمن مخطط صهينة المنطقة العربية وانطلاقا من أبعاد عقائدية يهودية تنظر إلى المسلمين كأعداء تفترض سحقهم والسيطرة على بلدانهم.
منذ وعد بلفور الباطل والمشؤوم العقد الثاني من القرن العشرين، وخاصةً بعد وعد بلفور، بدأ اليهود من جميع أنحاء أوروبا بالهجرة إلى فلسطين، وبدعم من الدول الغربية، تمكنوا من طرد الشعب الفلسطيني من ديارهم، وأسسوا أخيرًا کياناً مزيفاً عام 1948، مرت القضية بحالات مد وجزر ومخاضات عصيبة، تراجع العرب فيها وانخرطت بعض أنظمتهم في التطبيع والخيانة للقضية والخيانة لأنفسهم ولشعوبهم ولدينهم الإسلامي الحنيف، وفيما لم تقف الحالة عند هذا المستوى بل وصلت إلى حد محاولات فرض عناوين ومصطلحات ومسارات سياسية ومذهبية، يسعى العدو اليهودي من خلال عملائه إلى تسويق وترويج فكرة يسميها الديانة الإبراهيمية تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود، وقد أسس مركزاً في دويلة الإمارات أسماه مركز الديانة الإبراهيمية، وأصدر وثيقة التعايش الإنساني التي وقع عليها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر ومحمد بن زايد بحضور صهيوني.
أما الخطر الأبرز فيما نشهد من صراع محتدم يمتد إلى الثقافة والهوية والدين والعقيدة، ولا يقتصر على فلسطين فحسب، إذ أن اليهود يروِّجون فكرة الديانة الإبراهيمية في الأوساط الإسلامية وحتى المسيحية – وهي تسمية مسيئة لنبي الله إبراهيم عليه السلام، يجري ترويجها من قبل اليهود لما لنبي الله إبراهيم عليه السلام من محورية في الديانات البشرية تجعل من تلقي المسلمين والمسيحيين للفكرة سهلاً وغير ممتنع- بدأ إطلاق هذا المشروع في عام 2007 من قبل مبادرة “مسار أبراهام”، وهي منظمة غير ربحية مقرها في كامبريدج، ماساتشوستس، الولايات المتحدة، مع شبكة عالمية من الشركاء لليهود ، وبدأت باستهداف صناع القرار والمؤثرين في المنطقة، واستقطبت أنظمة وعملاء ومراكز بحثية لتنشط في سياقها.
ثم تم اعتماد مبادرة ما أُسمي بمسار إبراهيم من قبل منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة وشركاء دوليين آخرين في العام 2013، واليوم يسعى اليهود حثيثاً لإصدار وثيقة يطلقون عليها وثيقة التعايش الحضاري والتعايش الإنساني التي تروّج لها دويلة الإمارات عبر ما تسميه بيت العائلة الإبراهيمية الذي أنشأته في 2019/م.
وقد أقيم في دويلة الإمارات التي باتت وكراً من أوكار اليهودية العالمية ما أسمته الدويلة “بيت العائلة الإبراهيمية” الذي أمر محمد بن زايد بتأسيسه في أبو ظبي “ تخليداً لذكرى الزيارة المشتركة للبابا فرنسيس، وأحمد الطيب” شيخ الازهر بداية عام 2019، قبل توقيع الدويلة لاتفاق الخيانة والعارب والتطبيع مع العدو الصهيوني بأكثر من عام ونصف، وقد كان إنشاء البيت اليهودي تمهيداً للمشروع اليهودي وتعبيداً لطريق التطبيع الخياني الذي لا يقتصر على جوانب اقتصادية وسياسية وغيرها بل يهدف إلى مسخ هوية المسلمين.
من المقرر أن يُفتتح “بيت العائلة الإبراهيمية”، الذي يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً يهودياً تحت سقف واحد هذا العام، ويتم الترويج حالياً لما يُسمى وحدة الأديان، أو “الديانة العالمية” ونحوها من المصطلحات التي ظهر استعمالها في أواخر القرن الماضي، بالتوازي مع سعي اليهود وعملائهم إلى إصدار وثيقة عبر الأمم المتحدة تسمى بوثيقة التعايش الحضاري.
وتسوّق هذه الوثيقة في ظاهرها السعي إلى التعايش بين الأديان وقبول الآخر، ونبذ العنف والتطرف وما إلى ذلك من الشعارات المخادعة، لكنها في الحقيقة والمضمون مسخ للهوية الدينية والثقافة الإسلامية، وإساءة بالغة لنبي الله إبراهيم عليه السلام وللدين الذي ارتضاه الله للبشرية، وهي في المضمون معركة مصطلحات وهوية ومصيدة تخفي خلف بريقها “مشاريع كبرى” ينخرط فيها المطبعون الخونة بإدارة صهيونية وإشراف أمريكي.
سماحة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي اعتبر الترويج لما يسميه اليهود وعملاؤهم العرب «الديانة الابراهيمية» فكرة مسيئة لنبي الله إبراهيم عليه السلام الذي قال الله عنه في كتابه الكريم القرآن الكريم “مَا كَانَ إِبْرَٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ” (آل عمران/الآية 67).
إنّ الترويج لما يسمى بالديانة الإبراهيمية بدأ قديماً حينما أطلقت زعامات يهودية ونصرانية تزعم الانتساب لنبي الله وخليله إبراهيم– عليه السلام دعوات لهذه الفكرة برافعة التعايش الإنساني، لكن هذا المصطلح برز بشكل واضح مع توقيع دويلة الإمارات ومملكة آل خليفة في البحرين اتفاقيات العار والخيانة والتطبيع مع العدو اليهودي الصهيوني، وورد في صفحة وزارة الخارجية الأمريكية، ما يلي: “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء“.
لم تكن صفقة الخيانة والتطبيع مع العدو الصهيوني التي انخرطت فيها أنظمة عربية عميلة صفقة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو عسكرية وأمنية فحسب، بل تشمل مخططا لتغيير العقيدة الدينية للمسلمين، ولقد أسميت الاتفاقيات الخيانية التطبيعية باتفاقات ابراهام تجسيداً للارتباط الكلي بين السعي اليهودي للسيطرة والاستحواذ على المنطقة والاحتلال لها، وبين تغيير الهوية والعقيدة الدينية للمسلمين.
كانت دويلة الإمارات ومملكة البحرين قد أعلنتا في سبتمبر 2020 خيانتها بتوقيع اتفاق التطبيع مع العدو الصهيوني اليهودي، ثم تبعت في ذلك المغرب ونظام العسكر في السودان، في خطوات تعبر عن الانسلاخ عن الهوية وعن الإجماع العربي حول فلسطين وحول وجود العدو اليهودي في المنطقة وعلى أرض فلسطين، وقد وقعت اتفاقيات العار برعاية أميركية من الرئيس السابق دونالد ترامب.
لم يتوقف التطبيع الإماراتي البحريني المغربي السوداني مع العدو الصهيوني عند العلاقات الخيانية التي تتعلق بالتنسيق الأمني وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية، فالعدو الصهيوني بُني أساساً على جذور دينية ومعتقدات صهيونية متجذرة في التراث اليهودي بأنّ فلسطين هي أرض ميعاد، وفي ثوب السلام مع مختلف الأديان، يروج المتصهينون إلى ما يزعمونه “الديانة الإبراهيمية” وهي موجة عبثية تدعو إلى المزج بين الأديان السماوية التابعة إلى نسل النبي إبراهيم (عليه السلام) و”يخلصهم” من الصراعات، وأسميت اتفاقيات العار والتطبيع بـ”اتفاق أبراهام”، ترويجاً إلى أنّ النبي إبراهيم أب للمعتقدات التوحيدية يفترض تلقائياً أن اليهود الصهاينة والأمريكيين والإماراتيين هم الممثلون الحصريون لليهودية والمسيحية والإسلام.
تجدر الإشارة إلى أن جذور الفكرة تعود إلى أقدم من ذلك بكثير، ففي عام 2013، أقرّ جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “بالأرضية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية”، وأقر بتأثير “الدين العالمي” في مواجهة التهديدات التي تلوح في الأفق في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، أعلن جون كيري عن إنشاء مكتب المبادرات المجتمعية القائمة على الإيمان الذي يوجه الدبلوماسيين لإشراك القادة الروحيين والمجتمعات الدينية في العمل اليومي.
تعتبر دويلة الإمارات من أهم مروِّجي هذه الأفكار في العالم، وتحولت إلى وكر للخطيئة والمسخ للهوية، ففي عام 2014 أنشأت “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، برئاسة رئيس مجلس الإفتاء الشرعي عبد الله بن بيه، ويُعقد المنتدى بصفة دورية في الشهر الأخير من كل عام، ثم في العام 2019 أنشأ ابن زايد ما أسماه بيت العائلة الإبراهيمية.
فضلاً عن ترويج المفاهيم والثقافات اليهودية فإن الأنظمة التي تنخرط في إطار هذا الترويج تسعى لمسخ الهوية الدينية للمسلمين وضرب ثقافات الشعوب وتشويه معتقدات المسلمين بمسار تسميه «الدبلوماسية الروحية، وتقوم على المفاوضات بين العقائد التوحيدية الثلاث، ما يسمى بـ “الديانات الإبراهيمية”، وعلى استخدام مبادئها المشتركة الحالية لحل النزاعات، تستلزم الدبلوماسية الروحية ساحة تفاوض غير رسمية يتم فيها جمع رجال الدين مع السياسيين والدبلوماسيين لتحويل القضايا المشتركة والمتفق عليها إلى واقع على الخريطة السياسية.
تعتبر الدعوة لهذه الديانة المزيفة ردة صريحة عن الإسلام ودعوة ضالة خبيثة وماكرة”، والغرض منها تلبيس الحق بالباطل، والتلبيس استراتيجية يهودية أساسية تحدثها عنها القران الكريم في مواضع عديدة، كما أن هذه الفكرة الخبيثة تشكل خطرا محدقاً بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك وتنهي الحق الفلسطيني والإسلامي في فلسطين وفي المقدسات، كما تهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة «إسرائيل الكبرى”.
الخلاصة أننا اليوم أمام خطر صهيوني يمتد إلى الهوية والدين والعقيدة والثقافات والمقدسات، وهو ما يقتضي خوض المعركة كصراع حضاري يتواجه فيه المسلمون مع أعدائهم اليهود وحلفائهم ومن يوالونهم، وأن دويلة الإمارات وعبر ما تسميه بيت العائلة اليهودي باتت وكرا من أوكار اليهودية الصهيونية والتعامل معها على هذا الأساس.
في الأربعاء 27 إبريل-نيسان 2022 11:19:50 م