|
تتعدَّدُ مظاهِـرُ العدوان السعودي على فريضة الحج والمشاعر المقدَّسة، فمرةً بـ(تسييسها)، ومرة بـ(سَعْودتها)، وثالثة بـ(أمركتها)، ورابعة بـقتل الحجاج، وإبادتهم، وخامسة بإهمال إدارتها، هذا عدا العوائق والعراقيل وجميع أنواع الصدود التي يتفنن آل سعود في صناعتها، واختلاقها عاما بعد آخر.
في بداية القرن الماضي، حيث كانت بريطانيا الإمبراطوريةُ التي لا تغيبُ عنها الشمسُ، وكثيرٌ من مواطنيها عرب ومسلمون، وحيث كانت تخشى من قيام المارد الإسْلَامي الثائر فيهم، فقد تفتّق الذهن الاستعماري الإنجليزي عن ضرورة السيطرة على أهمّ مناطق التأثير الروحية، لتكون أحد وسائل إخمادِ أيِّ نزوع ثوري إسْلَامي أصيل، يذكِّر بالأمة الإسْلَامية الواحدة، وبوجوب الجهاد ضد المحتل الكافر، فكان لا بـُدَّ من السيطرة على الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وعلى المسجد الأقصى، لحرمان المسلمين من أهمّ تغذية راجعة يمكن أن تعيد صياغتهم بالشكل الذي يريده القُـرْآن، من خلال الإفادة من القُـرْآن الكريم، ورسالة الحج الوحدوية الأممية، ورسالة أهمّ وأعظم ثلاثة مساجد في الإسْلَام، والتي تُعنى بشكلٍ أساسي بتثبيت الهوية الإيْمَانية الجامعة للمسلمين جَميعاً.
حينذاك أثبت عبدالعزيز بن سعود أنه رجل بريطانيا المفضل في المنطقة، وأنه يمكن التعويل عليه في إدارة الحرمين الشريفين بالشكل الذي يخدم الأهداف الاستعمارية البريطانية، والتي كانت تقوم على المبدأ المشهور (فرِّق تسد)، لقد أثبت عبدالعزيز ذلك بعدد من الإجراءات، والجرائم، ومنها انحيازه لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)، وارتكابه مذابح خطيرة بحق عرب الحجاز والعراق وساحل الخليج، والشام، كما نفذ مجزرة سياسية بشعة بحق حجاج اليمن في تنومة وسدوان عام 1341هـ/ الموافق 1923م، ذهب ضحيتها 3105 حاجًّا، وكانت هذه المجزرة عشاء إبليس الأخير الذي أهّله لدى بريطانيا الاستعمارية لحكم الحجاز، بدلاً عن الشريف حسين بن علي، ابن عون؛ لهذا لم يمض سوى عام حتى سقطت الحجاز في يد ابن سعود عام 1924م.
في ذات الوقت، في عام 1917م أطلقت بريطانيا، وعدَها المشؤوم على لسان وزير خارجيتها (بلفور)، وعدُ من لا يملك لمن لا يستحق.
وهكذا سلّمت بريطانيا أهمّ مناطق التأثير الروحية التي تشكل وعي المسلمين إلى (أياديها الأمينة)، في الوقت الذي أنشأت فيه أقذر كيانين توأمين لقيطين في الجزيرة العربية والشام، للقيام بالدور الذي لا تستطيع هي القيام به.
لقد كان من الطبيعي بعد ذلك أن يُسيَّس الحرمان الشريفان بالسياسة البريطانية؛ فكان احتواء رسالة الحج السامية والقوية، وهي رسالة الوحدة والاعتصام بالقُـرْآن، وكان تثبيت سياسة (فرق تسد)، أهمّ أهداف بريطانيا من هذه الحركة الاستعمارية الملعونة، ومذاك فإنه بدلاً عن أن تطلِق منابرُ الحرمين الشريفين والمشاعرِ المقدسة دعواتِ الوحدة الإسْلَامية، والاعتصامِ بحبل الله، فإنها أطلقت دعوات الفتن الطائفية، والمذهبية، وعملت على تكريس حالة الخنوع والخضوع للبريطانيين ثم للأمريكيين والصهاينة.
لم يكن اختيار بريطانيا لعبدالعزيز بن سعود اختياراً عفوياً، بل كان نتيجة معرِفةٍ ودرايةٍ بتأريخ أسرته المشين بحق المسلمين في نجد والحجاز.
أحدُ أجداده، (سعود الأول بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود) في عام 1220هـ / 1806م احتل الحجاز، وارتكب فيه أنواع الجرائم، ثم منع المصريين والسوريين والعراقيين من أن يحجوا، بحجة أنه لا يعجبه إسْلَامُهم.
في ذلك العام هدّد أميري الحج المصري والشامي بكسر المحمل، وحرقه، وأضاف مشترطا عليهم شروطا ضرورية للقبول بهم حجاجا في العام القابل، وهي:
أولاً: أن لا تحلقوا لحاكم.
ثانياً: أن لا تذكروا الله بأصوات عالية، أَوْ تنادوا بقولكم “يا محمد”.
ثالثاً: أن يدفع كلُّ حاج منكم ضريبة قدرها عشرة جنيهات من الذهب.
رابعاً: أن يدفع أمير الحج المصري والسوري كُـلّ منهم عشرَ جواري، وعشرة غلمان، لون أبيض، كُـلّ سنة” كما يروي الشهيد ناصر السعيد في (تأريخ آل سعود، ص32).
شخصيا لا أستبعد صحة جميع تفاصيل تلك الشروط العجيبة والغريبة؛ فهذه هي العقلية والنفسية الداعشية التكفيرية في نسخها الأولى، ولا فرق بينها وبين نسخها المتكاثرة اليوم.
يؤكِّد السيد زيني دحلان في تأريخه هذه الرواية، ويذكر أنه كان من نصيب المحمل المصري في تلك السنة – التحريق، بأمر سعود، ونادى مناديه بأن لا يأتي بعد ذلك العام حليق الذقن، تاليا قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.. )، قال دحلان: فانقطع مجيء الحاج الشامي والمصري ( دحلان، أحمد زيني، خلاصة الكلام، في بيان أمراء البلد الحرام، ص381).
وبالفعل في عام 1221هـ منع سعود هذا أمير الحج الشامي من الحج، فرجع حجاج الشام تلك السنة من غير حجٍّ، بعد أن وصلوا إلى المدينة المنورة (خلاصة الكلام، ص381). وقد أقر المؤرخ النجدي الوهابي ابن بشر بمنع صاحبه للحاج الشامي ومن يأتي من جهة (استانبول)، (ينظر ابن بشر، النجدي، عنوان المجد في تأريخ نجد، مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز، ط4، 1402هـ، ج1، ص292).
وعلى ضوء ذلك يبدو أن أهالي مصر والشام واليمن قد امتنعوا عن الحج كلياً طيلة ست سنوات حتى تحرير الحرمين الشريفين من سيطرتهم في عهد محمد علي باشا لاحقاً على يد ولده إبراهيم ( زيني دحلان، فتنة الوهابية، ص13؛ وناصر السعيد، تأريخ آل سعود، ص23)، حيث قضى على تلك الأسرة التكفيرية سياسيا في مهدها.
وتعيق حجاجَ اليمن، ومنذ 2011م وهي تمنع الحجاج السوريين من الحج، وخلال نوبات مختلفة تعرّض الحجاج المصريون والأتراك للمنع، وعقب أزمة لوكربي بين أمريكا وليبيا في التسعينات تمَّ منعُ الحجاج الليبيين من الحج بضغوطٍ أمريكية وبريطانية وفرنسية على حدّ قول العقيد معمر القذافي؛ الأمر الذي دفعه لاتخاذ قرارٍ أخرَق قضى بتوجيه بعض الليبيين إلى الحج (السياحة) إلى المسجد الأقصى المحتل، وأعلنت إسرائيل ترحيبها بذلك.
وأما مجزرة الحجاج الإيرانيين في عام 1979م فهي فضيحة مدوية، لم تتفوّق عليها إلا مجازر 2015م/ 1436هـ؛ بسبب إسقاط الرافعة في الحرم المكي، ثم تسبّب ولي العهد المشؤوم بتدافع آلاف الحجاج بعد أن تم توجيه سيول بشرية منهم في اتجاهاتٍ متعاكسة، أدى إلى تدافعهم ودعس بعضهم بعضا، لكي يمر سربٌ طويل من السيارات الفارهة يمتطيها أمير مهفوف، لا يبالي بحياة الناس ولا كرامته.
ومنذ عام 1990- حتى 2003م والعراقيون لا يستطيعون الحج إلا من خلال الأراضي الأردنية؛ بسبب التزام السعودية بالحظر الأمريكي على العراق، وصولا إلى قطر التي نال مواطنوها منذ العام الماضي نصيبهم من الصد والعراقيل، وانتهاءً هذا العام بمسلمي كندا الذين تسببت الأزمة السياسية بينها والسعودية في منعهم من الحج، ولا ندري عما يخبئه المستقبل القريب من هذه العجائب السعودية.
* * *
إذن يتضحُ أن آلَ سعود سيّسوا الحجَّ ومشاعرَه العظام وبيت الله الحرام سياسة بريطانية أوَّلاً، ثم أمريكية صهيونية لاحقا، ومنعوا البراءة من أعداء الله فيه، وذهب دعاتُهم في منابر الحرمين وفي المشاعر المقدسة يشدون الناس إلى حُكم آل سعود وموالاتهم، والتقرب إلى الله بحبهم، وهم أولياء اليهود والنصارى المعتدين، بل وما فتئوا يفترون الأكاذيب على عباد الله المسلمين الأبرياء، ويزينون قبائح الإجرام وشنائع الظلم بحق الشعوب ولا سيما بحق اليمن وأطفالها ونسائها ورجالها.
وحول الصد عن المسجد الحرام تتعدد المعاذير السعودية الوهابية لكن الصد واحد، سواء كان بوضع الاشتراطات المُعيقة والمستحيلة، أَوْ بافتعال المجازر بحق الحجاج الأبرياء ضمن تصفياتٍ سياسية، وطموحاتٍ صبيانية، كما حدث في مجازر إسقاط الرافعة، وتدافع منى، الذي كان يراد بها إسقاط طموح ابن نائف في حكم المملكة، وكذلك بتسييس الحج ومنعِه عن كُـلّ دولة وشعب وشخص لا يروقون لـ(صِبية) آل سعود، وجعلِ الأماكن المقدسة شبّاكَ صيدٍ واقتناص للمعارضين للسلوك السعودي.
بلغ السوء بهذا النظام أنه بكل صفاقة يحتكر المشاعر المقدسة، ويوزع تأشيرات الحج إليها لعشراتِ أَوْ مئاتِ الآلاف في العالم تحت مسمى (المجاملات)، توزّعها سفاراته على المطبِّلين لها حتى من اليهود والنصارى، في الوقت الذي يحرم مثلهم في العدد ممن يهفون شوقا إلى بيت ربهم من المسلمين، فلماذا رضي المسلمون أن يصيرَ (بيتُ الله) (بيتاً لسلمان)؟ ولماذا كان الحج واجبا على (من استطاع إليه سبيلاً)، واليوم بات مقدورا فقط لمن (استطاع إلى المهفوف أَوْ أبيه سبيلا)؟!.
لا شك أن هذا العدوان السعودي على الحج ومشاعره هو الصدُّ الأصد، والمنعُ الأشدّ عن المسجد الحرام على مر التأريخ، ومع ذلك كان الصدُّ ولا يزال أحدَ أسباب خلعِ الولاية وسلبِها عن القيِّمين على أمور ذاك البيت العتيق.
البيت الذي أذن الله لنبيه إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل ببنائه، قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96]، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127].
في الآية السابقة يخبرنا الله أن هذا البيت وضع للناس، للناس جَميعاً، لكي ينالوا البركة، والهدى؛ ومع ذلك فلم يعد يرى المسلمون بركة ولا هدى في معظم أحوالهم؛ حيث الإدارة الشيطانية من قِبَلِ آل سعود والوهابية تحجُبُ عن الحجاج المسلمين بعض تلك البركة، وبعض ذلك الهدى.
لقد أمر اللهُ نبيَّه إبراهيم عليه السلام أن يطهر بيته (لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أيا كانوا، ومن أيِّ بلدٍ جاؤوا، ثم قال: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ) – ولم يقل في أولياء آل سعود – (بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وجعله مثابةً وأمنا لجميع لناس: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)، وقياما لجميع الناس، قال تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ)، وجعله للناس سواء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ).
وهكذا يتبين أن الله سبحانه قد جعل بيته والمسجد الحرام، للناس، كُـلّ الناس، سواء العاكف المقيم فيه، أَوْ البادي الذي يحج إليه من غير أهله، وجعله (هدى للعالمين) (ومن دخله كان آمناً)، (وقياماً للناس)، وهو: (للطائفين والقائمين والركع السجود)؛ وعليه فليس لأحد كائناً من كان، أن يمنع أحداً من المسلمين، من أداء مناسكه، وإقامة شعائره.
ويبين القُـرْآن الكريم أن كلَّ منعٍ وصدٍّ عنه، وكل مضايقة للناس في ذلك، وكل تحايلٍ على رسالة الحج، وكلَّ إفراغ له من محتواه ورسالته، فهو ظلمٌ وتعدٍّ توعّد الله عليه بالنكال والعذاب. فقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
إن وجود التنوين في قوله: (بِإِلْحَادٍ) وفي قوله (بِظُلْمٍ)، المنكَّرتين في سياق (مَن) الشرطية؛ فيفيدان العموم لكل (إلحادٍ) ولكل (ظلمٍ)، إنّما هو للإشارة إلى أن حكم الله بالعذاب الأليم ينسحِبُ على كلّ ظلم، وعلى كُـلّ إلحاد، مهما كان صغيراً وقليلاً.
من المعروف أن هذه الآيات نزلت في مشركي قريش لما صدوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه عن بيت الله الحرام في عام الحديبية، غيرَ أن أولئك المشركين كانوا أقلَّ جُرما من آل سعود في هذه القضية.
لقد كانوا حينها هم والمسلمون في حالة حرب، وعليه فقد جاء صدّهم المؤقّت هذا في هذا السياق وفي ظروف تلك الحرب، وكانوا قد فهموا أن للمسلمين رسالة عسكرية ودينية استراتيجية وراء محاولتهم دخول البيت، فأرادوا أن يحرموهم منها؛ ومع ذلك فلم يكن ذلك لهم بعذر أبدا، وبالمقارنة فإن آل سعود يصدون الحجاج اليوم لمجرد خلاف سياسي بسيط؛ بسبب مقالة، أَوْ تصريح، فعلى سبيل المثال: ما هو ذنب حجاج كندا في حرمانهم من الحج؛ لكون حكومتهم وجهت انتقادات إنْسَـانية لسلوك السعوديين في مجال حقوق الإنْسَـان؟
وأيضاً فإن رفضَ مشركي قريش أن يدخُل المسلمون في عام الحديبية كان رفضا مؤقتا، حيث قبلوا من حيث المبدأ أن للمسلمين الحقَّ في بيتِ ربهم، ولهذا قبلوا أن يعودوا للعمرة في عامٍ قابلٍ، أي أن أولئك المشركين كانوا يدركون أن لجميع الناس حقا في هذا البيت؛ لأنه بيت الله، حتى أولئك المختلفين عنهم دينيا، والمحاربين لهم عسكرياً، أما هؤلاء فإنهم إذَا منعوك هذا العام، منعوك كُـلّ عام، حتى ترضى عنك أمريكا وإسرائيل، فلم يكتفوا بتسييس الحج وتوظيفِه لخدمة أغراضهم الفاسدة، وسياساتهم الأمريكية الصهيونية، بل وَ(سعْودوه)، بل (وسلمنوه)، وجعلوه بيتا خاصا لآل سعود، بل ولآل سلمان.
وفي الفقه الإسْلَامي وعند معظم فقهاء المسلمين أنه لا يجوز تملّك الأراضي في مكة، وعليه فلا يجوز تأجيرُ بيوتِها من الحجاج؛ إذ ذلك مناقضٌ لقوله تعالى (الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد)؛ ولهذا كان كراء البيوت محدودا في أيام الأمويين والعباسيين، وكان الخلفاء يعملون على منعه كما يذكر شيخنا الدكتور صالح العلي في كتابه: (الحجاز في صدر الإسْلَام ص559)، على ما كان لدى بعض أولئك الخلفاء من استهتار بالدين، بل وبالكعبة نفسها.
إن ما يجب أن نتذكرَه اليوم هو أنه عند إغلاق قريش أبواب البيت الحرام أمام القلوب التي تهوي إليه، أذِن الله لعباده المؤمنين بفتحه والدخول إليه آمنين، وجعَلَه سببا لفتح مكة، ألم يقلِ الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)، لقد كان صدُّ الكفار للمسلمين عنه فتحا مبينا لمكة وللبيت الحرام على يد المسلمين، وقد كانوا أقل صدا من هؤلاء المجرمين.
بل إنه تعالى حكم عليهم بالعذاب الأليم، ثم سأل سؤال تعجيبٍ، فقال تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، حيث اعتبر الصد إلحادا ظالما يستحق صاحبُه عذابا أليما، وأن تنزع منه الولاية الواقعية التي يمارسها، وكانت الآية صريحة جدا في أنه لا ولاية على البيت الحرام إلا للمتقين، ومن المعلوم قطعا لكل عربي ومسلم أن آل سعود هم آخر من يمكن وصفه بالتقوى، ويأتي ترتيبهم بعد فرعون وهامان.
لا إخال آلُ سعود أن يعودوا إلى رُشدِهم فيقلّبوا صفحة التأريخ القريبة، وأن يستشعروا أنهم سيخرجون من الباب الذي دخلوا منه، فتحديدا في عام1924م أشاع والدُهم عبدالعزيز آل سعود سلطان نجد آنذاك أن حاكم الحجاز الشريف الحسين بن علي قد منع حجاج نجد من دخول مكة، فعقدوا مؤتمرا في الرياض حضره أعيان ومطوّعة وقادة نجد، وقرروا وجوب إعلان الجهاد ضد من صدّ عن بيت الله الحرام، وبهذه الذريعة تمَّ لهم اجتياح واحتلال الحجاز والحرمين الشريفين على مرأى ومسمع بريطانيا العقل المدبر لهذه القضية.
إن نهايتَهم في الحرمين الشريفين لن تكونَ أحسنَ من نهاية كُفَّـار قريش لمّا صدوا المسلمين بقيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن البيت الحرام في السنة السادسة للهجرة، فاعتبره القُـرْآن خطيئة تضارع خطيئة الكفر، وموجباً لإسقاط ولايتهم الواقعية على البيت الحرام، بالإضافة إلى سقوط ولايتهم الشرعية أصلاً، وسبباً موجِباً لتعذيبهم من الله؛ (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).
عليهم أن يتذكَّروا أنه عند إغلاق أبواب البيت الحرام أمام القلوب التي تهوي إليه، يكون الله قد أذن لعباده المؤمنين بفتحه والدخول إليه آمنين، وجعله سببا لفتح مكة، ألم يقل الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)، لقد كان صدُّ الكفار للمسلمين عنه فتحا مبينا لمكة وللبيت الحرام على يد المسلمين.
وهذا ما يتطلَّب من الشعوب الإسْلَامية أن تتحرّك لتحرير الحرمين الشريفين ضمن حركةِ تحرُّرٍ عالمية تسعى لتخليص جميع الأماكن المقدسة من دنس أدوات أمريكا سواء في فلسطين أَوْ في الحجاز، ويعيد التذكير بأهميّة أن تكون المقدسات الإسْلَامية تحت إدارة (المتقين)، حتى تؤدي دورها المنوط بها في البركة على المسلمين، والهدى لهم، حيث تكون وظيفة تلك الإدارة هو توفير أجواء الحرية العبادية التي كفلها القُـرْآن الكريم لجميع حجاج بيته الحرام القادمين من كُـلّ فج عميق، وحتى يبعث الله أولئك (المتقين) فإنه يجب على الأمة إسقاط ولاية الفاجرين الموالين لليهود والنصارى المعتدين.
في الجمعة 20 مايو 2022 10:38:14 م