|
جزء من تاريخنا المعاصر المُغيَّب يُكشف تباعاً لاسيما تلك الأحداث التي كان لها دور في صناعة التحولات إيجابية كانت أو سلبية، من ضمنها على سبيل المثال التدخل السعودي في بلادنا الذي بلغ ذروته بجريمة اغتيال الرئيس الحمدي 1977م واستعاد حضوره عقب تلك الجريمة بصناعة سلطة موالية للرياض وتحكم باسم الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأتباعه في صنعاء صالح الهديان والسديري وما بينهما من رجال المخابرات السعودية وأمراء المناطق الحدودية والقصر الملكي.
أزاح رئيس اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي يحيى منصور أبو أصبع الستار على جزء يسير من تفاصيل تلك الأحداث التي ظلت مغيبة بفعل استمرار سلطة الانقلاب الدموي في إدارة البلد حتى وقت قريب، وباستمرارها ابتعد الكثير ممن عاصروا صناعة تلك السلطة عن كشف ملابسات الصعود وتفاصيل التصعيد وكيف أجبرت الرياض أهل الحل والعقد- لو صح التعبير – في العام 1978م على القبول بمن وصفته بـ رجلها حاكماً على اليمن، فهو من سيتولى الاستمرار في إغلاق ملف انقلاب 11 أكتوبر 1977م، باعتباره الرجل الثاني في ذلك الانقلاب الدموي وسيكون الأنسب لتنفيذ الأجندة المطلوبة.
استلم علي عبدالله صالح السلطة من السعودية من خلال مندوبها صالح الهديان وسلمها للسعودية في العام 2011م عندما طلب تدخلها بالمبادرة الخليجية وباتصال هاتفي من الملك عبدالله استلم هادي السلطة وها هو يسلمها لمحمد بن سلمان ليتولى آخرون استلامها بأوامر أمريكية سعودية، دون أن يدرك الصانع والمصنوع أن خوض اليمنيين لمعركتهم المصيرية لن ينتهي بإعادة إنتاج الرؤساء المستوردين من الخارج بل بتحقيق الحرية والاستقلال بعيداً عن رئيس اختارته السعودية أو سلطة صنعتها القوى الأجنبية.
معركة الحرية والاستقلال افتتحها اليمنيون بإسقاط السلطات الحاكمة باسم الخارج، فصارت صنعاء هي من تصنع حكامها وكان الصماد أول رئيس صنع في صنعاء، أو بالأصح صناعة يمنية خالصة دون تدخل الأيادي الأجنبية ولهذا نجد كل هذا التكالب الخارجي حتى لا يتمكن اليمن من انتزاع قراره وامتلاك خياره.
ما يتحدث به أبو اصبع على قناة المسيرة- وما تحدث به سياسيون ومشايخ وغيرهم ولو في الغرف المغلقة أو شبه المفتوحة عن تفاصيل تلك المرحلة بصناعة سلطة يوليو 1978م باعتبارها امتداداً طبيعياً لسلطة انقلاب 11 أكتوبر 1977م- يجعلنا أمام مسؤولية لإعادة كتابة التاريخ كما حدث وليس كما حاولت السلطة تصويره قبل أن يتضح للجميع أننا كنا أمام حبكة درامية لا واقع لها إلا في مخيلة القائمين على الجهاز الدعائي للسلطة.
قد لا نلوم من تردد في الإدلاء بشهادته خلال عقود من التزييف، نتيجة توقع ردة فعل السلطة فمنهم من تعرض للتهديد ومنهم من تعرض للاغتيال بعد أن أدلى بمعلومة في جلسة مقيل عن تصعيد صالح إلى السلطة بل نعاتب من يتقاعس اليوم عن قول الحقيقة وقد أصبحت تلك السلطة بممارساتها وأساليبها وسياساتها جزءاً من الماضي، وهو من عاصر تلك الأحداث وكان شاهد عيان على ما حدث وصار في موقع المسؤولية ليس لمخاطبتنا فحسب بل ولبعث رسائل للأجيال القادمة حتى لا يقع القادمون فيما وقع فيه السابقون من عثرات وأخطاء وتقصير، وحتى يدرك الجميع مدى فداحة التقاعس وفتح البلاد للأجانب ليعبثوا بها ونتائج ذلك العبث على البلد بأكمله.
على المستوى الاستراتيجي – ونحن بصدد صناعة الوعي- فإن تاريخنا الحديث والمعاصر خير مدرسة لمن أراد أن يدرك طبيعة وأهمية المعركة اليوم باعتبارها معركة بين من يطالب بالحرية والاستقلال وبين من يعمل على استعادة هيمنته ونفوذه على هذا البلد من خلال مجموعة من الأتباع الذين ضلوا الطريق فظنوا أن اليمن لا يمكن أن يحيا إلا تحت هيمنة الأجنبي وفي ظل التدخل السعودي ومن خلفه الأمريكي والبريطاني.
في السبت 21 مايو 2022 08:03:17 م