|
(1)
قال لي أصدقاء نحن بانتظار إصدار كتاب يجمع مقالاتك النقدية في الشعر.. قلت لهم إني لست بناقد وفقط أحتفي وأواكب الإبداعات الشعرية للشباب في مرحلة مواجهة العدوان.. وأنا هنا أحاول فقط أن أملأ فراغ ناقد ربما لإحجام البعض عن مواكبة المشهد الشعري، وربما لأسباب ما.. وقد أحسن الأستاذ «صلاح الدكاك» حين نشر كتاباتي في البداية تحت عنوان «سياحة في نص»، وحالياً تحت عنوان «بورتريه شاعر».. لأني فعلا لا أود تصنيف كتاباتي كنقد، فأنا أكتب انطباعات خاصة، قد ترقى إلى مرتبة النقد الانطباعي في حال اقتربت أعمالي من فكرة المشروع، لكنها ماتزال بعيدة، ولذلك فقد اقتنعت بتصنيفي كمهتم بالشعر وأن ما أكتبه عبارة عن احتفاءات وحسب، مع إيماني أن الإنسان ناقد بالفطرة وقد يجد نفسه يخوض في نظريات أدبية دون أن يعرفها، لكنه يعيها، وربما وجدتني أفعل ذلك في بعض كتاباتي وأعي نظريات معبرا عنها، لكن بلغة شعبية تبعا للغة المشهد القادم من جبهات القتال، جبهات مناهضة العدوان، أعي تقريبا عتبات النصوص ونظرية التلقي والتفكيكية والبنيوية، والنقد الثقافي والانطباعي، والأجناس الأدبية.. ومع ذلك آمل ألا أجد نفسي يوما في مواجهة مع نقاد مختصين أفذاذ أهابهم لكني أحبهم في نفس الوقت.
ومع ذلك فقد أدعي أن لي بصمة في بعض ما كتبت وفي حالة اقتربت من فكرة مشروع فقد أجدني أستنبط من خصائص القصائد التي قرأتها خاصة بعض خصائص الشعر عامة، لأن مثل هذا يحصل، بل إن ثمة من استنبط من خصائص النقد خصائص النظرية والقانون.. وإذن فماذا لو استنبطنا خصائص نظرية أو قانون من القصيدة..! فضلا عن الشعر.. ماذا لو برهنا على ذلك من قصيدة للمتنبي مثلا..! وأنه أسس أو وضع قانون عدم الترادف في اللغة في قوله:
لا ناقتي تقبل الرديف ولا
بسوط يوم الرهان أجهدها
شراكها كورها ومشفرها
زمامها والشسوع مقودها
أشد عصف الرياح يسبقه
تحتي من خطوها تأودها
وهذا غير غريب في الشعر العربي. وتوجد شواهد كثيرة تعيد للفكر العربي قصب السبق في وضع كثير من النظريات النقدية والمعرفية. فعلى سبيل المثال ذكر الغذامي أن المتنبي واضع نظرية موت المؤلف في قوله:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الكل جراها ويختصم
زيد علي جاحز شاعر من مدينة حوث محافظة عمران، هذه المدينة التي تكاد تكون مرصوفة طبيعيا بأحجار الصفاء (الجرانيت)، ولا ينبت عليها إلا أقوى النباتات، ولا يخرج منها إلا أقوى الشعراء والرجال، يكتب الشعر العامي الحماسي المناهض للعدوان، وله قصائد جميلة.. بدأ الشعر مبكرا متأثرا بوالده الشاعر علي جاحز وشعراء الحرب الذين عانوا وإياه من تبعات الغزو والحصار الذي يشنه العدوان الأمريكي السعودي.. هذه المعاناة كان لها أثر كبير في تشكيل وعيه الثوري ووجدانه العنفواني وإنبات الموهبة في نفسه. وظهرت نصوصه من خلال موقعه على الإنترنت.. وقد أذهلني تفوقه رغم صغر سنه في إبداع القصيدة الشعبية الحربية.. ولا غرابة فهو من أسرة اشتهرت بالأدب والعلم والجهاد.. وهو من جيل المسيرة القرآنية وشباب الصمود الذين استلهموا الحماسة والقوة والعنفوان من أيام وليالي المواجهة المكتظة بأصوات القصف والمفعمة أجواؤها بالبارود ومشاعر البطولة والشجاعة على مدى سبع سنوات.
بدت نصوص زيد جاحز ناضجة وقوية وتنم عن تراكم في الوعي الثوري ومشحونة بالحماسة والفخر والشجن.. كل ذلك صنعته الأحداث والحصار وصور الدمار والدماء اليومية التي تزف إلى قوافل العزة والكرامة بصواريخ العدوان وتنمي في داخله وحيا من بطولات الرجال في ساحات المعارك.. مشاعر القوة والرجولة.. وخرجت للقارئ في هذه القوالب الجميلة التي صاغتها بنان الشاعر المبدع زيد جاحز.
أحتفي اليوم ببزوغ نجم شعري جميل يصوغ قصائده على كل المناويل العروضية بثقة عالية وتطويع متحد لبحورها الطوال وأمواجها العنيفة ومواكبا الأحداث بشعرية شامخة وتحد مروع:
شل المخاضيع واحنا بانشل الأسود
لا تحلموا في خداع الشعب يا قوم عاد
بايخرج المأتسر شامخ ووجهك يسود
والماضي أصبح حواضر فتح مكة يعاد
ويتفاعل مع اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة بهذه الأبيات مجسدا خلالها الوعي القرآني والأخلاقي تجاه القضية وتجاه الآخر طالما كان على نفس الهدف من مواجهة المحتل واسترداد الحق العربي الفلسطيني:
العدا في بني إسرائيل كلن لعن
ذي عليهم غضب ربي بكل السنين
يقتلوا أمس مرأة في وضوح العلن
كل مرأة عفيفة نعتبرها (شيرين)
السكوت في وجوه الغرب يصبح هون
(عاقلة) جاهدت اعوانك الكافرين
وفي ترجمة شعرية بديعة لمفهوم الشعار وغايته يؤكد أن الرجال المقاتلين على الطقوم والسيارات المصفحة والمموهة في طريقهم لتحرير الأقصى.. في قصيدة تحفيزية جميلة لحث الرجال على المضي قدما لتحرير الأراضي العربية والإسلامية المحتلة والمقدسات من دنس الغاصبين:
كلن في الطقم المموه قد سرى
ما نوقف إلا وسط الاقصى يا رجال
القدس تشتي تحضنش يا ام القرى
لكن حليف الشر يمنع للمجال
يا غار حراء باتنتصر كما جرى
في جرف سلمان الذي للكفر زال
تاجر مع ربي كما ربي شرى
من كل مؤمن هامته مثل الجبال
قل للسعودي والامريكي يحذرا
محنا من اللي يركعوا لاجل الريال
نركع فقط لله ذي لا يقهرا
من أجل دينه بانفتت كالرمال
احنا على نهج الوصي خير الورى
واخوه حيدر ذي نزع عنه وشال
يا جند ربي يا وثيقين العرى
كونوا مع ابن البدر مهما الحرب طال
ومن يهود الغرب وامريكا البرا
وابرأ من آل سعود وملوك الجمال
نحفظ تراب القدس منهم والثرى
والغزو ذي بايجعلك بين الخيال
يجسد التربية الجهادية حياتيا في الواقع العملي والميداني ويصف العزة بأنها تجري فيه مجرى الدم.
ولأنهم يدافعون عن غايات سامية فيفتخر بأن هامته مرفوعة للسماء والأرض تعجب من بطولتهم وشجاعتهم.
والشيء الخارق للعادة أنهم واجهوا برغم قلة عتادهم وعددهم عشرين دولة تمتلك أقوى وأحدث الأسلحة المدمرة، لكنهم مع ذلك لم تهتز لهم شعرة.
ويوجه تهديدا لدول العدوان والغزاة بأن من دخل أرضه واعتدى على شبر واحد منها سيلقى حتفه.
ويدعو الغزاة الذين كانوا مجرد جياع صحارى يصطادون الجراد ثم بعد أن امتلكوا النفط ظهرت عليهم بوادر البوقة وتحركت لديهم جينات الارتزاق وقطع الطريق.. بقراءة التاريخ وأن الغزاة كان جزاؤهم الهزيمة والقتل عبر القرون الماضية.. منذ ثمود وعاد وسبأ.
قال ابن جاحز تربينا على ارض الجهاد
والعز يجري كمجرى الدم والقبيلة
هاماتنا تعتلي من فوق سبعا شداد
وكوكب الأرض يعجب من بشر تعتله
عشرين دولة مع كل اسلحتها جداد
ما هز كرتوننا الفاضي ولا زلزله
من يدخل ارضي عليه العار سوء المهاد
من يعتدي شبر من حدي سمع مقتله
اسأل علينا ممالك من قصور لا رماد
اسأل جدودك عن اجدادي علينا اسأله
اسأل علينا ثمود يوم اندحر قوم عاد
اسأل علينا جدود الترك من اوله
اسأل بلادك على أرضي وذات العماد
اسأل بلادك وهي صحراء فياح قاحلة
اسأل بلادك وعاد انتوا تعشوا جراد
اسأل تواريخكم ذي كلها بلبلة
اسأل على قوم بأس الله فيهم شداد
لا شبت الحرب يا مقتول يا قاتله
على الكرامات يدي ما تفارق زناد
شيماتنا «لا» أمر قايد علم نفعله
من دم جيش العمالة شربي بل وزاد
مخطوطنا في العراك شله على ناوله
هذه عواقب على جيش النقود الفساد
ما قام به سيدي حسين العظيم نكمله
يدخل على ارضنا لكن مشى كالصراد
ومن عوج في الطريق ذيب الوطن ياكله.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 27 مايو 2022 09:57:09 م