|
لم يسئ أحد إلى العرب والمسلمين مثلما أساءوا لأنفسهم باستسلامهم لمتاهات الروايات التي سلبت عقولهم وحولتهم إلى كائنات مجمدة واقفة عند محطات من التأريخ مليئة بالأكاذيب وما نتج عنها من صراعات وأحقاد صارت الحاكم المتحكم في حياتهم وسياساتهم الرعناء بدلاً من أن يأخذوا من التأريخ ما يفيد ويمضوا لتأدية رسالتهم في حاضرهم كبقية البشر الذين يبدعون كل يوم بل كل ساعة ما يفيد البشرية من ابتكارات في كل المجالات ، وليس أدل على ذلك من سوء فهم الكثيرين لمفهوم الجهاد أو استعدادهم لإساءة فهمه ، وتحويله من حالة ضرورة الدفاع عن النفس وردع الظلم إلى ما شهدناه ونشهده من بشاعات داعش وأخواتها ورثة الانغلاق والتلاعب بالعقول المريضة الخانعة ومدعي الدفاع عن الدين ، وأغلب هذه الجماعات لها عناوين إسلامية وترتكب جرائمها وتحارب جماعات تحمل عناوين إسلامية يقتلون بعضهم بحجة الاختلاف في المذهب كما فعلت القاعدة في اليمن وأفغانستان ، و يقتلون وينكلون ببعض الأقليات كما صنعت داعش والقاعدة في العراق وسوريا مع المسيحيين والأقباط والأزيديين وكل الأقليات التي تجمعهم بالمسلمين رابطة الانتماء الوطني كأساس لهُوية جامعة لأن الدين والعقيدة انتماء قائم على الحرية الشخصية ، وليس(هوية ملزمة) لأبناء الوطن المختلفين في الرؤى والأفكار والعقائد ولو كانوا جميعاً مسلمين، وإلا كان ذلك مخالفا لصريح النص القرآني الكريم (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)لا يصلح أمر اختياري أساساً لهوية ملزمة قائمة في أهم عناصرها على الغيب وأمر الغيب مرده إلى الله ومخالفة هذا النص يحول الهوية المبنية على العقيدة إلى مدخل من مداخل التكفير والإرهاب يختلط فيه الإيمان بالله ومبادئ الأخلاق الثابتة بالشرائع والقوانين التي تنظم تفاصيل حياة الناس وعلاقاتهم القابلة للتجديد والتغيير بتغير الأحوال والظروف لمواكبة العصر داخلياً وتأهيلهم لتبادل المصالح والعلاقات مع الآخرين بكفاءة وندية بدلاً من البقاء عالة على العالم المنتج والاعتماد على ما في باطن الأرض من ثروات قابلة للزوال والتبخر في المستقبل القريب ، ومع ذلك تتباهى بعض أنظمة الخليج بما تستنزفه الشركات الأجنبية التي اكتشفت النفط وما في باطن الأرض من ثروات يفترض أنها ملك الأجيال القادمة وأغلب عائداتها استخدمت في تمويل الحروب والصراعات والمؤامرات البينية في بلاد العرب والمسلمين وامتدت لتمويل بؤر الفساد والحروب في العالم وهذا أبرز دور يؤديه المال العربي ليس وفق أوهام ما يسمى نظرية المؤامرة القائمة على خلط الحقائق بالأكاذيب وصرف أذهان الناس عن رؤية الحقائق والوقوع في فخ المؤامرة.
نعم ما زال العرب والمسلمون على هامش التأريخ الإنساني متباهين بهذه الغفلة تشغلهم أبجدية تجاوزها جميع البشر بوقوفهم أمام بوابة البحث عن جواب لسؤال: هل من حقهم إعمال عقولهم أم أن التأريخ قد توقف عند النصوص وليس في الإمكان أحسن مما كان ؟!؛
إنه سؤال وقاعدة لو توقف الناس عندهما لما تطورت الحياة ولبقينا عند مضارب الإبل مع الاحترام لمكانة الإبل بين المخلوقات ، ومن غير المقبول تحميل الآخرين المسؤولية عما نعانيه وما نصنعه بأنفسنا بتصرفاتنا ، المطلوب دقة توصيف ما نعيشه وما يمارسه بعض الحكام العرب بشكل خاص وبعض الحكام المسلمين بشكل عام بمشاركة الشعوب الخانعة المستسلمة للحكام دون وعي أو بإغراء المصالح غير المشروعة والصمت و اللامبالاة لأن الشعوب التي تطيع الحكام المستبدين وتستسلم لأهوائهم واستهتارهم بالثقة التي منحتهم علناً سواءً بالانتخابات الحرة المباشرة إن وجدت وهي فرضية لا تزال ضعيفة التحقق أو بالقبول بهم ضمناً وعدم مقاومة الظلم والاستبداد والفساد الذي يمارس بحقها أو الانتقائية والنفاق والمعايير المزدوجة في محاربة الفساد هذه السلوكيات ليست من صفات الجهاد.
والجهاد المشروع إذاً ليس العدوان على الآخر لإجباره على التسليم بما يعتقده المعتدي أو يعتقده الزعيم القائد ، ولا هو الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد بحجة أن أحد الأطراف مجاهد وشرعي والآخر متمرد وغير شرعي أو أن أحدها ظالم والآخر ثائر على الظلم أو أنه جمهوري والآخر ملكي أو إمامي فالثورة عند من يؤمن بشرعيتها لها شروط وأوضاع، من أبرزها أن يكون لها أهداف حقيقية يقبل بها الشعب ويساندها بصدق وإخلاص وقناعة تامة وليس عن طريق التدليس والخداع والتضليل ويستفيد من تحقيقها كل الشعب وبالذات الفئات الفقيرة والمهمشة ، وأن لا تطول مدتها ومداها فتتحول إلى استنزاف للدماء والأرواح والممتلكات لأن إطالة أمد الثورات يعني طول المعاناة من الحالة الاستثنائية التي تترتب عليها وهذه من علامات الفتن لا الثورات ، ومن الأدلة على ذلك أن إعلان حالة الطوارئ الذي يتم بمصاحبة أي ثورة وفق كل الأنظمة والدساتير يشترط أن لا تتجاوز مدتها ستة أشهر وعلى من يقوم بأي ثورة أن يستشعر مسؤولياته الجسام تجاه معاناة الناس وآلامهم ويعمل على إنهائها كشرط بأن يوصف ثائراً مجاهداً.
أيها الناس كفوا عن الموت باسم الإله
كفوا عن الادعاء
مدوا يد الحب تستقيم الحياة
في الثلاثاء 31 مايو 2022 07:26:28 م