أسلوبٌ لا يُفسر سوى هكذا
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
أطللنا بالأمسِ على جزئية واحدة من الجزئيات التي تشكل بمجموعها مصادر التصنيع والإنتاج والتعميم للتفاهة في واقعنا اليمني، ومن الجدير ذكره هنا أن صناعة التفاهة بدأت في المجتمعات الغربية، وقد تعامل معها الباحثون الاجتماعيون كظاهرة، وتعرضوا لها بالنقد والتحليل في أكثر من بحث منهجي ودراسة علمية، ولكن ما يجعل المرء يشعر بالدهشة والحزن هو: الاختلاف الكبير بين نجوم التفاهة ورموزها لدى المجتمعات الغربية ولدى مجتمعنا، ففي المجتمعات الغربية المفرغة من قيمها الدينية والإنسانية والأخلاقية، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، يعيش الناس حالة من الفراغ والغربة نتيجة طغيان كل ما هو مادي وسطوته على الحياة كلها، وبالتالي فالأشياء عندهم تفقد قيمتها ما لم تكن وسيلة للمزيد من كسب الربح وتحقيق الثراء، حتى بدا واقع الإنسان هناك أقرب ما يكون لواقع الآلات الصناعية الصماء، الأمر الذي دفع بالكثير إلى الانتحار كسبيل للخروج من ذلك التيه وانعدام الوزن، وهنا جاء دور صناع التفاهة من المختلين عقلياً، ومقلدي القردة والحيوانات، والعبثيين ومدمني الشذوذ والمخدرات، الذين يحظون بدعم وسائل الإعلام ومساندتها، كل ذلك لكي تسخرهم كجزء من مادتها البرامجية، التي تحاول من خلالها إخراج متابعيها مما هم فيه من ضياع وتفكك أسري وتحلل أخلاقي وشعور مميت بالغربة والشقاء والبؤس بهؤلاء المجانين والمهرجين والسخفاء.
أما في مجتمعنا فلن يستطيع المجانين والمغفلون والحمقى والمهرجون إدخال بضائعهم الفاسدة إلى ساحتنا، ولكن ثمة مَن يسعى لجعل المقاييس والأحكام والمعايير المعمول بها في كل ميدان من ميادين الحياة مبنية على نظام التفاهة، سواء حين نقيم الأشياء، أو حين نختار ونؤيد الأفكار والشخصيات، وعليه يجب الاستعانة بمجاميع من الفقهاء والكتاب والمثقفين والإعلاميين من أجل تحقيق هذا الغرض وبناء كل الواقع وفق ما تقرره قواعد التفاهة ونظمها، ونحن هنا لا ندعي وجودَ شيء في مخيلتنا الذهنية، وإنما ندعو الجميع لمواجهة هذه الظاهرة بهدف القضاء عليها قبل أن تصل إلى مرحلة الطبع لكل مظاهر الواقع بطابعها.
وقبل الختام تعالوا لنسأل بعض كتابنا ومثقفينا وإعلاميينا سؤالا واحدا: بالله عليكم ما معنى الأسلوب المتبع في تعاطيكم مع القيادات الطليعية في البلد، والذي جعلكم تتحدثون عن الملبس وتستغرقون في الشكل والهيئة، وتتحدثون عن عمر الجنبية التي يرتديها هذا القائد أو ذاك، وقيمتها التاريخية، وعلاقتها بالأحداث والصراع بين اليمن وقوى الغزو والاحتلال، وتنسجون الأساطير التي لم نرَ ما يشبهها إلا في مسلسلات الأطفال؟ ظناً منكم أن قادتنا يحبذون هذا النمط التضليلي، ويفرحون بهكذا تناولات وأطروحات! والغريب أنكم تعتقدون أن هذه الأسطرة والاستغراقات في ما لا قيمة له هو السبيل لتعزيز علاقة الشعب برموزه وقادته! هذا وهم قادتنا الشرفاء مجاهدون وليسوا مزايدين، وهم مدركون أن قيمة الواحد منهم ليست بجنبية جده، وإنما بثباته وبذله وتفانيه في سبيل الله والدفاع عن شعبه، لذلك لا ندري كيف نفسر هكذا عملا، والذي لو أن قادتنا يعلمون به لبصقوا بوجه المتسابقين على نشره، ولاسيما أنهم عمدوا إليه وتركوا الأشياء ذات القيمة الحقيقية والأثر الفاعل، لهذا فلا سبيل إلى تفسير هذا التعاطي وما شاكله إلا سبيل واحد هو: وجود رغبة بتسطيح العقول وفرض نظام التفاهة وتعميمه.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الأحد 19 يونيو-حزيران 2022 01:33:42 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=5490