يوم في الجبهة.. " قصة واقعية "
د.أسماء الشهاري
د.أسماء الشهاري



كنت أشعر أن حياتي فيها الكثير من الراحة والرفاهية.. لكنني قررت أن أفارقها وأن أترك الأهل والأصدقاء وأذهب إلى عالم الارتقاء بعيداً عن كل تلك السعادة الدنيوية.. حيث السعادة المعنوية.. لقد قررت أن أذهب إلى الجهاد وأن ألتحق بركب المجاهدين وأُسخِّر حياتي لذلك.. 


بدأت حكايتي مع هذه الرحلة التي كانت غاية في الجمال ولها مذاق خاص لم أعرفه من قبل على الرغم من كل المشقة و التحديات.. 
كنت ضمن مجموعة من أخوتي المجاهدين حيث سرنا مشيا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام متتالية لم أشعر فيها بالتعب على الرغم من أني كنت في سن الخمسين.! 
كنت أشعر معنوياً و جسدياً أني في العشرينات من العمر.. هناك في الجبهة لا تشعر بالساعات ولا بالأيام عندما تكون متوجهاً لله بكل جوارحك.. 
كنّا نمشي ليلاً وفي النهار نقوم بالتدريبات في أماكن محددة لذلك.. 

اشتدت المعارك بعد ذلك حيث خضناها كأسود ضارية وألحقنا بالعدو هزائم متتالية وخسارات فادحة في الأنفس و العتاد.. على الرغم من أسلحتنا المتواضعة مقابل ما يمتلكه من ترسانة عسكرية.. لكنهم ولجبنهم وخستهم وكعادتهم كلما خسروا في الميدان و فرّوا أمام بطشنا و سطوتنا كالجرذان.. اتجهوا نحو القصف بالطيران.. 
كانت طائرات الأباتشي تُحلِّق بكثافة في المنطقة حيث كان القصف كثيفاً و عنيفاً..لكنها لم ترهبنا ولم توهن عزائمنا التي كانت تفوق صوت هديرها بكثير.. و لكم كانت ترتعد فرائصها من أصوات بنادقنا..! 
 
حينها انقطع عنّا المدد.. فقررنا الثبات والصمود بما تبقى لدينا من بضع مأكولات خفيفة ومعلبة.. لكننا اكتشفنا أننا محاصرون..! 
استمر الحصار علينا لعدة أيام أعاننا الله فيها على الثبات رغم كل شيء.. كانت المعارك خلالها شديدة.. لكنها هدأت بعد ذلك واستمر الحصار حين اكتشفنا نفاد الطعام ونفاد الذخيرة من السلاح.! 

تم تبليغ رسالة لجميع المجاهدين في الجبهة بالانسحاب.. لكنها لم تصل لي و لرفيقي المجاهد الصابر أبو الأشتر.. 

لم نكن نعرف أن بقية المجاهدين قد انسحبوا، عندها قال لي :يا أبو أحمد والله أني سأثبت في مكاني ولن أولي الدبر حتى يكتب الله لي النصر أو الشهادة.. فقلت له :و أنا كذلك يا صديقي.. 

دخل علينا الظلام ونحن نكاد نهلك من شدة الجوع والعطش وإذا بصاروخ يسقط قريب جداً منّا.. حينها لم نستطع الحركة أو الانتقال من شدة الضغط والغبار وظلام الليل وقررنا الانتظار حتى انبثاق الضوء.. 

في اليوم التالي.. قرر رفيق جهادي أبو الأشتر أن يذهب بحثا عن الماء من سايلة يذكر أنها تقع قريبا من المنطقة أو لعله يجد شيئا من المؤونة التي كان يتم توزيعها في أماكن متفرقة من الجبهة.. أما أنا فلم أستطع الذهاب معه لأني كنت أشعر أني أكاد أموت من شدة التعب..! 

قال لي : إنه سيعود بشيء من الطعام والشراب أو المؤونة وأنه لن يتأخر.. ولم أكن أعرف أنها آخر اللحظات التي ستجمعني به.. 

تأخر صديقي في العودة وأنا في حالة من الإرهاق الشديد.. كانت عيناي تطالعان إلى مكان ذهابه علّها تكتحل بطلته البهية.. و بعد ساعات وبينما أنا كذلك رأيتُ مجموعة تتقدم نحوي.. ابتسمت ابتسامة خفيفة سرعان ما زالت من تلك الرايات السوداء و الوجوه المتجهمة.. عرفتُ أنهم الدواعش.. كنت أمتلك سلاحي الشخصي لكني لم أتمكن من حمله بيدي من شدة الإعياء و العناء..رغم منظرهم القبيح وكأنّهم رؤوس الشياطين إلا أني شعرت بشيء من السكينة تتسلل إلى نفسي بهدوء وغفوت إثرها غفوةً قصيرة لم أفق إلا وأنا بين يدي أولئك الأوباش وسلاحي لديهم.. عرفتُ حينها أني وقعتُ في الأسر.. والحمدلله،، 


بعد أن تم الإمساك بي، قاموا بسكب دلو من الماء علي لكي أستعيد وعيي ، وقالوا لي:أنت الآن في يد المقاومة.. فقلت لهم:أنا مجاهد في سبيل الله قد سلمت و أوكلت أمري إليه فافعلوا ما تشاءون.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. 

ربطوا يداي إلى الخلف وحاولوا أن يجعلوني أقف ولكنني لم أستطع.. فقاموا بسحبي إلى السيارة بكل قسوة وهناك أعطوني القليل من الشراب حتى أستعيد وعيي ومن ثم آخذوني إلى الضابط المسئول والذي بدأ بالتحقيق معي من فوره.. 
بدأ الاستجواب وأنا على تلك الحالة وحالما ذكرت اسمي وعرفوا أنني هاشمي، قالوا بتهكم و ازدراء :هذا قنديل من قناديل صنعاء..

حاول المحقق أن يحصل على معلومات عسكرية، فقلت له :أنا مجاهد ولا أملك سوى البندقية..، لكنه قام بطرح عدد من الأسئلة علي : هل أنت قناص؟ حرس جمهوري؟ مشرف؟ 
......... إلخ، وغيرها العديد من الأسئلة.. لكنني لم أجب عليها بشيء.. 
وفي هذه الأثناء دخل رجل طويل وعريض و له لحية طويلة إلى غرفة التحقيقات، و قال :هذا الحوثي الرافضي اقتلوه..! 
ثم التفت نحوي بوجه عابس مقطب الجبين قائلاً:أنتم تسبون الصحابة وتسبون أم المؤمنين عائشة وتقاتلون أهل السنة، قلت له :لم نلعن أحد.. نحن نلعن اليهود والأمريكان و صرخت بالشعار.. 

قبل ذلك كانوا قد وضعي أمامي شيء من الطعام لكي أبقى على قيد الحياة ولكي يستطيع جسدي المنهك أن يتحرك معهم.. لكن ذلك الضابط سارع إلى إخراج خنجر و كاد أن يقتلني به.. و لم أستطع بعدها أن أتناول شيئا من ذلك الطعام..! 
ثم قال بكل رعونه :خذوه وارموا به في الصحراء لكي يلتقطه داعش والقاعدة مُدعياً أنهم من المقاومة وأن لا علاقة لهم بهم.. ومن لهجته عرفت أنه إماراتي وبجواره اثنين من السعوديين ممن يتابعون عمليات ما يسمون أنفسهم بالمقاومة ومن ثم قام بتوزيع المال على كل من في غرفة التحقيق..! 


لم ينتهِ التحقيق معي من قِبل ذلك الضابط الإماراتي البغيض حتى جاء أحد الضباط اليمنيين من المرتزقة ثم قال لي بصوت الناصح المتعجب: يا حج أتقاتل و أنت في هذه السن من أجل السيد وعفاش؟ ومن أجل إيران تدخل اليمن؟ 
فقلت له:والله لا أرى إيرانيين، وما أرى إلا سعوديين وإماراتيين كالذين نراهم أمامنا الآن.. وفجأة تحول ذلك الناصح الوديع إلى ثور هائج وقام بضربي وركضي حتى وقعت على الأرض، وقال :( اذبحوه)

وما هي إلا دقائق قليلة حتى رأيت أسرى آخرين من أخواني المجاهدين قاموا بالتحقيق معهم بنفس الطريقة وتلقوا نفس الضرب والشتم.. وكان القرار بأن يتم أخذنا جميعا فوق طقم إلى الصحراء لكي تستلمنا القاعدة هناك.. 

وبكل وحشية وقبح وبتجرد تام من معاني الإنسانية وقيمها.. قاموا بفتح تسجيل فيديو وجعلونا نشاهد طرق مختلفة من مشاهد للذبح لكي نختار طريقة الذبح التي نود أن نقتل بها!!؟

ونحن على تلك الحالة من الذهول الشديد قاموا بربط أيدينا إلى الخلف و وضع القيود على أقدامنا و ربطوا أعيننا لتبدأ قصة جهاد جديدة.. كلما أتذكرها أقول أنها كانت بداية مأساة ومعاناة حقيقية اسأل الله أن يكتب أجرها.. 

   
أثناء نقلنا كنّا نتلقى الضرب والشتم ونحن مكبلين الأيدي والأقدام ومعصوبي الأعين.! 

وهكذا حتى وصلنا إلى الصحراء حيث تم نقلنا من الطقم إلى شاحنة.. ونحن لا نعرف ماذا سيكون مصيرنا ونتوقع تسليمنا للذبح في أي لحظة.. 

تم سحبنا ورمينا كالقطيع إلى الشاحنة بعضنا فوق بعض والتي كان فيها أسرى آخرين.. لم نعرف ذلك بسبب الغطاء على أعيننا لكننا شعرنا عندما تم رمينا فوقهم..! 

بينما نحن في حالة الرعب هذه شعرت بيد العناية الإلهية تتدخل مجدداً.. حيث شعرت بفيض من الرحمات الإلهية و بسكينة ورضا تملأ قلبي ونفسي وقررت أن أصلِّ الظهر والعصر على الحالة ثم بدأت بعدها بالتسبيح والتهليل.. 

حقيقة منذ أن هددني ذلك الضابط بالذبح بالخنجر دخلت في عالم روحاني و راجعت نفسي_لماذا أنا هنا؟ 
فكانت الإجابة لأني خرجتُ مجاهداً مع ربي ولأني أدافع عن وطني وشرفي وعرضي.. حينها سلمت نفسي بكل اطمئنان للخالق المعبود ولم أفكر في أي شيء آخر مطلقاً.. كنت أشعر أني انتقلت بروحي ومشاعري إلى رياض الله وملكوته حيث لم أعد أفكر في أهل أو ولد أو دنيا... أحسست بمعنى الثقة بالله والتوكل عليه وتسليم الأمر إليه.. وما عدت أبالي بالضرب والشتم والجلد وكنت أحتسبها في سبيله.. 
مهما كان الألم فإن هذا الشعور الرائع الذي غمر روحي ونفسي وكل جوانحي لا يمكنني أن أنساه وهو شعور لا يضاهيه شعور.. 

ونحن على تلك الحال كنّا جميعا في انتظار الذبح.. ولم نكن نعرف شيئاً مما يحصل حولنا سوى التنقل من شاحنة إلى أخرى و التعذيب المستمر.. واستمر هذا الحال لمدة يومين لم يفكروا خلالها للحظة واحدة بأننا مسلمين وبحاجة إلى الصلاة.. أو أننا بشر على أقل تقدير وبحاجة إلى شيء من الشراب أو الطعام..!! 

لم نكن نعرف بعضنا.. ولم نكن بالحالة التي تسمح لنا بالتعارف لكننا عرفنا بعضنا بالأسماء عندما كانوا ينادوننا والتقينا فيما بعد في سجون الأسر.. 

في أحد المواقع التي وصلنا إليها وجهوا إلي سؤالاً_و هو من هم الخلفاء الراشدين؟ فذكرت أسماء الأربعة رضوان الله عليهم.. ثم توجهوا بسؤال آخر إلى أحد الأسرى بجانبي عرفت من صوته أنه لا يزال شاباً، فقالوا له:ما تقول في سيدنا معاوية؟ فأجاب :لعنة الله عليه.. 
فما كان منهم إلا أن نزلوا بنا إلى الأرض جميعاً وقاموا بتعذيبنا عذاباً شديداً.. و كان كل من يمر من المرتزقة يتعجب من شدة ما يرى من الضرب والعذاب، فيقول لهم:ماذا فعل هؤلاء؟ 
فيقولون لهم:إنهم يلعنون سيدنا معاوية.. فما يكون منه إلا أن يأخذ سوطاً أو سلكاً و يشارك في الضرب والتعذيب واستمروا هكذا حتى الصباح يتداولون على ضربنا و تعذيبنا حتى أغمي على البعض من شدة الألم والعذاب..! 

لكم أن تتخيلوا الوضع طوال ثلاثة أيام في الصحراء تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى شاحنات مكشوفة دون طعام أو شراب مكبلين الأيدي والأقدام ومعصوبي الأعين و تعذيب متواصل لدرجة أن البعض لم يعد قادراً على بلع الريق من كمية التراب في فمه..!! 
و لكي أكون منصفاً فإن الشمس هي الوحيدة التي كانت تغيب وترحم أجسادنا المنهكة و لو قليلاً من مشهد ذلك العذاب..! 

 
استمر السير بنا في الصحراء بعد ذلك على متن الشاحنات حتى وصلوا بنا إلى إحدى المواقع العسكرية الجديدة حيث أنزلونا هناك..كان عددنا حينها خمسة ولم نعرف أين هم بقية من كانوا معنا على الشاحنة، و أين ذهبوا بهم..؟! 

وأنا في هذا الطريق الجهادي لا أعرف ماذا أحكي عن رباط اليد وكيف أصفه لكم؟ 
كان عبارة عن سلك كلما تحرك الشخص يشتد أكثر وكان من أكبر وسائل العذاب.. كأنه قطعة من الجحيم..!
 كنّا نشعر أن أيدينا تكاد أن تتقطع وكم كنّا نصرخ من شدة الألم الذي لا يحتمل ولا يطاق.. وكنّا نترجاهم ونتوسل إليهم أن يقطعوا أيدينا..! تخيل أن يصل بك الحال إلى أن تترجاهم أن يقطعوا يديك من شدة الألم ونقول لهم:اقطعوها سيجزيكم الله خيراً..! 
كان ذلك الرباط من الضباط الإماراتيين. كانت أيدينا قد تحولت من اللون الأزرق إلى الأسود بسبب نقص الدم والأكسجين عنها و كنّا نشعر أنه سيصيبها الشلل..! 

في هذا الموقع تركونا عند حارس كبير في السن والذي لا نستطيع نسيانه والدعاء له كلما تذكرناه.. 
كان ممن لا زالت فيهم النخوة اليمنية و الإحساس الآدمي..فعندما أنزلونا من الشاحنة وذهبوا،كان يستمع إلى صراخنا من عذاب رباط اليد، وكان يقول لنا :أنه ليس بيده حيلة.. لكنه بعد ذلك لم يستطع التحمل أكثر فذهب ليتصل بهم لكي يستأدنهم، لكنهم لم يردوا عليه.. فما كان منه إلا أن فك لنا رباط اليد والعين..لكنه أبقى قيود القدمين.. 

كانت يداي على وشك الشلل وظلت متأثرة بهذا الرباط لأشهر عديدة فيما بعد، لم أبكي من شدة الألم سوى من هذا الرباط اللعين الذي قام بوضعه أحد الشياطين..! 
وبعد أن فك لنا أمر بإحضار الغداء وكان كريما جداً.. وبعدها أدخلنا لنغتسل بالكامل وقمنا بأداء الصلاة بعد ذلك.. 
كم شعرنا بالسعادة لهذه المنحة الإلهية و الهدية الربانية الغير متوقعة..! 
لكنه اعتذر منا بعد ذلك، وقال لنا :هذا أقصى ما أستطيع مساعدتكم به، فقلنا له :كتب الله أجرك..ودعينا له دعاءاً كان من القلب..

رجع الضابط الإماراتي اللعين في وقت المغرب..وكانت أول مرة نراه بعد أن قام بعصب أعيننا..رمقناه بنظرات لا يعلم قوتها وحرقتها سوى الله.. 
وقال لي أحد الزملاء أنه يفكر في قتله و سيحاول ذلك حتى لو قتل بعدها مباشرة..! 
فقلت له :احتراماً لهذا الرجل لن نفعل.. أي العجوز الذي أكرمنا.. 

قام ذلك الحارس الكبير في السن بإرجاع رباط اليد والعين لكل منا..

تمت إعادتنا مجدداً إلى الشاحنة لكي نواصل السير في طريقنا التي لا نعرف متى ستنتهي؟
قال لي أحد المرافقين :أنت تريد الجنة، صحيح؟ فقلت له:نعم..
رجعت بي الذاكرة قليلاً إلى ما قبل التحاقي بهذا العمل المقدس حيث لم أكن أكثر من شخص عادي يذهب إلى عمله في النهار و يمارس بقية حياته الإعتياديه.. ولم يكن يخطر ببالي حينها أني سألاقي ما ألاقيه الآن.. لكنني أشعر بالسعادة والطمأنينة لاختيار الله لي لهذا العمل العظيم..ولأكون في مواجهة مباشرة مع هؤلاء المسخ الشياطين.. 

 كنا طوال هذه الثلاثة الأيام نترقب فقط متى سيذبحوننا..حيث كنا على يقين أن مصيرنا فقط هو الذبح ولا شيء آخر..ولكم أن تتخيلوا حال الشخص وهو ينتظر الذبح في كل دقيقة لهذه المدة؟ 

بعدها قاموا بأخذنا إلى مكان فيه ضجة كأنها مكائن خراطة.. وما كان مني إلا أن ظننت أنهم سيفرموننا هنا ولم أشك في ذلك.!

قاموا بنقلنا من الشاحنة وبعدها استوعبت الصوت بأنه صوت طائرة والتي نقلتنا فيما بعد إلى سجون العدو السعودي في خميس مشيط بعد أن تم بيعنا من مرتزقة بلادنا إلى الغزاة.. كلاً بسعره وحسب التفاوض.. و ذلك حتى يقايضوا بنا أسراهم.
وهناك بدأت قصة الأسر.. 

طوال تلك الأيام والتي عانينا وتعذبنا فيها عذاباً شديداً لم يكن يخطر ببالنا للحظة أن مصيرنا هو الأسر،وكان الذبح هو كل ما نفكر فيه.. 

لبثت في الأسر طوال ستة أشهر.. عانيت فيها ما عانيت ولقيت فيها من العذاب والألم ما لقيت .. لكن رغم كل شيء وعلى الرغم من كل الأحداث والمواقف التي عايشتها و رأيت بأم عيني الأسرى المجاهدين يعايشونها إلا أنها لم تكن مطلقا بعداب
وقسوة وألم تلك الأيام الثلاثة في الصحراء..! 

طوال الستة الأشهر في سجون العدو التقيت بالكثير من الأسرى المجاهدين لكنني لم أحظى بأي فرصة لأقابل صديقي العزيز أبو الأشتر ولو حتى للحظة واحدة، والذي علمنا أنه وقع في الأسر أيضاً بعد ذلك، و عندما حصلت عملية تبادل الأسرى والتي كنت ضمنها لم يكن اسمه بين الأسماء.. حتى أسرته وأقاربه تعبوا كثيراً ليعرفوا أي شيء عنه.. لكنهم لم يفلحوا في ذلك.. 
آه..كم تتوق روحي للقياه.. 

هل تعرفون من أين أتحدث معكم الآن؟ 
من أرض العزة والكرامة..نعم لقد عدت إلى ساحات الوغى..وإلى ميادين الشرف و البطولة لقد أصبحت لي نفس حرة توّاقة لم تعد تقوى على العيش بعيداً عن تلك الفيافي والقفار فقد أصبح بينهم قصة عشق لن تنتهي إلا بإحدى الحسنيين.. 
حتى روحي لم تعد حبيسة هذا الجسد، كأنَّ لها جناحين تحلق بهما في ربوع وطني

الغالي الذي هو أغلى من أهلي وروحي و نفسي.. وترتفع بهما عالياً فوق تلك الجبال الشاهقة..هناك فقط يحلو لها العيش إلى جانب أولائك الأحرار الشرفاء الضراغيم.. لم تعد تطيق مفارقتهم..ولم تعد عيناي تكتحلان بأجمل من رؤية شموخ وبهاء طلتهم.. 
وكيف لمن ذاق تلك الروحانيات والعناية الإلهية أن تهنأ لنفسه العيش بعيداً عنها بعد ذلك.! 

و سيظل باذلاً مضحياً في سبيل الله والوطن حتى يرفع راية النصر المجيد أو يرقى إلى العلياء شهيداً...


في الخميس 08 يونيو-حزيران 2017 06:28:49 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=552