|
لجانٌ في إثرِ لجانٍ، وأرقام للشكاوى والبلاغات، ولقاءات واجتماعات وتصريحات وقرارات كل ذلك من أجل تحقيق العدالة، ولكن ما الذي تحقق؟ لا شيء على الإطلاق، لأن كل ما يُقدم بهذا الشأن ما هو إلا عبارة عن تنفيذ لمقترحات فارغة لا تمتلك أدنى وعي بالقضية التي تهدف لإحيائها، وليس لديها المعرفة التي تمكنها من القدرة على حلحلة جميع المشاكل وإزالة جميع العراقيل التي تحول دون وجود العدالة والإنصاف كحقيقة ملموسة في سائر الدوائر والقطاعات والمؤسسات الرسمية، وعليه فستبقى الأمور على حالها الذي كلما ظننا أنه سيستقيم إلى حدٍ ما في ظل مثل هذه الجهود والأعمال ازداد تردياً وسوءاً ولربما أكثر بكثير مما كان عليه قبل البدء بتنفيذ إحدى هذه المعالجات أو كلها مجتمعةً، وإذن، فالمسألة لا تكاد تخرج عن إطار كونها عبارة عن ظاهرة استعراضية، الغرض منها هو التلميع لشخصٍ ما هنا أو هناك، وتقديمه للناس على أنه هو الوحيد الذي باستطاعته هندسة العدالة الاجتماعية، وإرساء مداميكها على قاعدة قوية وأرض صلبة، ليصل الشارع في نهاية المطاف ونتيجة الضخ الإعلامي الكبير والضجيج المفتعل على كل المستويات إلى الوقوع في شرك الخديعة نتيجة محاصرة عقولهم بمثل هذه الأخبار والأنشطة والمبادرات، وتحت تأثير العاطفة التي استطاع فلانٌ هذا إجادة العزف على أوتارها ببراعة فائقة للغاية فسيقولون: هذا هو رجل المرحلة. وهذا ما يريده ويسعى إليه ليلاً ونهاراً لا أقل ولا أكثر.
إن المغرمين بالمنصب والمهووسين بحب السلطة والجاه لا يأتون إلى الناس فيقولون لهم مباشرةً: نحن نريد أن نحكمكم، ويكون لنا الكلمة الأولى والأخيرة في جميع أموركم ومختلف قضاياكم على مستوى الوجود والمصير، وإنما يسيرون وفق خطة مدروسة بعناية، ويقومون بتنفيذها بدقة، مع الحرص الشديد على ألا تفوتهم مناسبة دينية أو وطنية أو مظاهرة جماهيرية مهما كان، كما يعملون على التظاهر أمام الناس بالزهد والتقشف، من خلال وسائل الإعلام طبعاً فقط، والتي تجتهد أيَما اجتهادٍ بتصويرهم وهم يتنقلون بين الناس في الأحياء والشوارع والمدن بكل اطمئنان، فتارةً تراهم على ظهر حمار، وتارةً بدراجة هوائية، كل هذا لكي يقال: سلام الله على فلان، انظروا ما أشد تواضعه وما أقربه من الناس.
ولكن على الرغم من كل خططهم المضبوطة وخطواتهم الدقيقة في سبيل الوصول لمعبودهم من دون الله، فإنهم لا يقدرون على التعامل مع الناس في الواقع بالشخصية التي يظهرهم بها الإعلام، ويحرصون هم على تقديمها للناس من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، فما إن تحصل معهم مشكلة أو قضية إلا واستطاعت معرفتهم على حقيقتهم، فهم المتعجرفون الظلمة، المستكبرون الأثمة، فلا خوف من الله وإن حافظوا على الصلوات، ولا التزام بهداه وطاعة لأوليائه وإن قالوا ذلك في كلماتهم وكتبوه على صفحات حسابات التواصل التابعة لهم.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 24 يونيو-حزيران 2022 07:37:03 م