|
أجد نفسي مضطراً إلى تحرير هذه الرسالة لموجبات ثلاث, أولاها : النص القرآني الكريم الذي يحث على التواصي بالحق، وثانيها: التأكيد البات للسيد القائد على التواصي بالحق، وثالثها : عهد الإمام علي – عليه السلام – إلى مالك الاشتر، ولعلَّي أقتبس هذا النص من العهد :
” ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول من قبلك، من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ” .
إلى أن يقول : ” وإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة ” .
ويقول أيضا : ” وإنما عماد الدين والعدة للأعداء .. العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم ” .
ولذلك – يا سيدي – أقول: إن اليمن ليست كبعض الدول، فقد جرت عليها دول وتراكم تأريخها عبر العصور والأزمنة المتوالية ,فهي تبعا لذلك ذات خصوصية وتفرد, لا يمكن التعامل مع شعبها وفق نماذج معاصرة في دول تختلف عنها تاريخا، وحضارة، وتراكما ثقافيا صنع في الموجهات العامة قانونا عاما وطبيعيا، قد يكون مغايرا لما هو سائد في الكثير من النماذج التاريخية والمعاصرة، بيد أن مشكلة اليمن أنها لم تكتب تاريخها كما كان يجب أن يكتب، بل جرى عليه التصحيف , والتبديل، والتضليل، والمغالطة، في كل مساراته وسياقاته، ولذلك ظلت بسبب ذلك عصية على الفهم عند الخاصة والعامة، فالتاريخ يحمل المفاتيح لكل سر خفي، ويضيء الطرق والمسالك لمن يتعاقب على حكمها .
لقد ضلت اليمن طريقها إلى الصدارة بسبب التاريخ الذي لم يكتب كما يجب أن يُكتب، فوقع أبناؤها في التيه الذي نعيش واقعه وتفاصيله اليوم منذ العدوان وما قبل العدوان، فقد لازم شعبها الشعور بالنقص – رغم الامتلاء – فشعروا بعدم الاكتمال إلا بغيرهم، وهذه العقدة تسمى بالعقدة “اليزنية “عند الكثير ممن كتب عن اليمن في مراحل متقدمة من القرن العشرين، حين نظروا بعين الخبير والفاحص للداء للوصول إلى العلاج الناجع، فالعمالة حالة عصية ملازمة , تسبب فيها العنصر التاريخي , وانحراف الحكام عبر حقب التاريخ المختلفة، وهو الأمر الذي يجعلنا اليوم – ونحن نخوض معركتنا الوجودية – في أشد الحاجة إلى إعلان الثورة الحقيقية، وهي الثورة الثقافية، التي تحاول أن تعيد الأمور إلى سياقها، وقد بدأتموها من خلال الكثير من المنطلقات الإيمانية التي نلمس ثمارها اليوم في واقعنا، لكن هذه الثورة تحتاج إلى التكامل مع العناصر الأخرى حتى تكتمل صورتها في الوجدان الجمعي للأمة، فالثورة التي أعلنت عن نفسها في 21سبتمبر من عام 2014م تحتاج إلى الرعاية والتشذيب والبناء والاهتمام حتى تؤتي ثمارها، وهي الثورة التي لامست وجداني فكنت من الذين آمنوا بها وبمنطلقاتها، ومن قبل لم أكن أرى في اليمن من ثورة ، وذلك أمر مشهود تدل عليه ما تركته على صفحات الكتب، وعلى صفحات الصحف من آراء ومواقف من الحركات الدامية في تاريخ اليمن المعاصر، ومن باب الحرص أقول : إننا اليوم في أشد الحاجة إلى تبني مشروع الإصلاح الثقافي والأخلاقي والتاريخي، وهي مهمة بالغة التعقيد في هذا الزمن، لكنها من لوازمه، فالسلطنة العمانية لم يستقر حالها حتى كتبت تاريخها الرسمي ودونت تاريخها الشفاهي، وتصالحت مع واقعها ومع المستويات الحضارية المعاصرة وفيها تجربة يمكننا الاستفادة منها .
فاليمن اليوم يراد لها أن تكون كالعراق من حيث الانهيار القيمي والانحلال الخلقي, ولعل زيارة قصيرة إلى التطبيقات الاجتماعية وأخص “اليوتيوب ” ومشاهدة حفلات الشباب العراقي قد تكوّن صورة كاملة عن المستقبل الذي يعمل العدو إلى الوصول اليه في المجتمع اليمني، فحركة الاستهداف اليوم وفي زمن الهدنة قد بلغ ذروة اشتغاله، إذ ثمة مشاهد كرتونية تبث في التطبيقات الاجتماعية تروج لفكرة المثلية الجنسية، فضلا عن المتحولين جنسيا والرواج لحساباتهم عبر التطبيقات الاجتماعية، وقد لا يخفى موضوع المخدرات الذي أصبح ظاهرة وقد أشرتم إلى خطورتها في خطابكم أمام وجهاء ومشايخ محافظة حجة بما يغني هنا عن التكرار .
دعنا – يا سيدي – نعترف أن ثمة خللاً في المسار لا بد من الوقوف أمامه لإصلاحه، فالعقل العلمي يقول إن الاعتراف بالمشكلة هو الحل الجذري لها، وهذا أمر يجعلنا نعود إلى عهد الإمام علي عليه السلام فسخط الخاصة يغتفر برضى العامة، وفي ذلك بيان كافٍ، فكلما كانت الحاضنة الاجتماعية محصنة ومتماسكة يجد العدو صعوبة بالغة في التسلل إلى شقوقها وفراغاتها، فنحن نملك نظرية كاملة لإصلاح أحوال الناس، أو كما قال الإمام عليه السلام في عهده في جهاد العدو، واستصلاح الناس – أي الإصلاح الثقافي والأخلاقي والتاريخي – وعمارة البلاد – بما يحفظ للإنسان حياة كريمة، وفكرة العمران فكرة متشعبة وذات أبعاد وتشظيات لا تدخل في سياقها تعدد الجبايات، فتعدد الجبايات من هلاك الدول، كما قال عن ذلك ابن خلدون، وهذا أمر يجب الوقوف أمامه بقدر عال من المسؤولية، فالرحمة بالرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، من تمام الكمال، كما يذهب إلى ذلك عهد الإمام علي عليه السلام خاصة في زمن كهذا الذي نحن فيه .
فالعامة – يا سيدي – هم جماع المسلمين وهم عدتك للأعداء، وقد سمعوك كثيرا، وهم بحاجة اليوم أن تسمع منهم، فانتدب من حكمائهم وطلائعهم من تسمع منه بالنيابة عنهم، فكثرتهم قد تشق عليك، لكن في حكمائهم وفي أدبائهم وفي كتابهم وفي مفكريهم من قد يتحدث عن الكثير منهم ” فليكن صغوك لهم وميلك معهم ” كما نص على ذلك عهد الامام .
فالكثير من الولاة يعيشون في بروج عاجية، وقد سبق لسماحتكم توبيخهم في محاضرات عدة يستمعون اليها بشكل دوري في اليوم الثقافي ثم يخرجون من المحاضرة فلا تكاد تسمع لهم ركزا، ومن صلح أمره يترك تلفونه عند صاحبه فلا تبلغ منه مأربا .
ولا أجد أبلغ من قول الإمام عليه السلام كي أختم به هذه الرسالة:
” واعلم أنه ليس شيء أدعى الى حسن ظن راع برعيته من إحسانه اليهم، وتخفيفه المؤونات عليهم “.
أسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء من العباد .
في الجمعة 01 يوليو-تموز 2022 09:27:29 م