|
في الذكرى الأربعين لحزب الله، ربما من الواجب هنا أن تقال كلمة صادقة وقادرة على أن تفي الحزب حقه لقاء ما قدمه للأمة ومستقبلها، وأجيالها، ويضع تجربته الرائدة موضع الدرس والقدوة والحجة، ولعلنا لا نجد في هذا السياق من يكون قادرا على توضيح هذه المسألة، مثل قائد استفاد من وجود تجربة ناجحة في محيطه العربي والإسلامي، لانتشال مجتمعه من غياهب التدجين والتضليل والتخذيل التي كانت سائدة في عدة مجتمعات عربية وإسلامية، ولا زالت، واستطاع من خلال واقع الأمة، وبالاستناد للقرآن الكريم، وآياته الواضحة والصريحة، ووعود الله سبحانه، والنماذج الماثلة أمام الأمة حينها في لبنان وفلسطين وإيران، استطاع أن ينشئ جيلا قادرا على صناعة النصر، والمشاركة في التحولات الكبرى، في طريق الهداية وشق طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، إنه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه.
كان الشهيد القائد كثير الاستشهاد بأداء حزب الله، وقيادته وكوادره المخلصة والمؤمنة، هنا بعض النصوص التي تفي بالغرض، من محاضراته المختلفة، في دروس من هدي القرآن الكريم، والتي حرص السيد حسين بدر الدين الحوثي، أن يخصصها لرفع مستوى الوعي، وإعادة الأمة إلى مناهلها ومنابع عزتها وقوتها ممثلة بالقرآن الكريم وشواهده المبثوثة في خلق الله، والأحداث التي تمر أمامنا في كل زمان ومكان.
أولا: لعل أبرز المواضع التي تشير إلى حزب الله، في محاضرات الشهيد القائد حسين الحوثي كانت في مجال تقديم الشواهد على مصداقية القرآن الكريم، في وعوده بالنصر لأولياء الله، وتثبيتهم، مهما كانت إمكانيات أعدائهم، بشرط التحرك من منطلقات التوجيهات الإلهية والالتزام بالإرشدات القرآنية، والثقة بالوعود، والتسليم في السراء والضراء، وما كان الشهيد يلاحظه في حزب الله، وتجربته وقيادته، وعندما تكون الحال هذه يجد السيد حسين الحوثي، أن ((من المهم جداً، مهم جداً، أن يتابع الناس عن طريق الأفلام، أن يتابعوا العمليات الجهادية، التي ينفذها حزب الله، وتجد فيها الآيات، وليس فقط مشاهد عسكرية، تجد فيها مصاديق للقرآن الكريم، مصداق للقرآن الكريم، تأييد للقرآن الكريم، وهم عندهم، عند رؤوسهم، يستطيعون أن يضربوهم بالقنابل، لكن لا، اليهود {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} لا يوجد في داخل أنفسهم ما يجعلهم ينتصرون عليك، ولا أحد من حولهم يجعلهم ينتصرون عليك، ولا حبل من الله يبقى، ولا حبل من الناس، كل شيء يصبح متخلياً عنهم، فلا ينصرون فعلاً.))
في موضع آخر يؤكد الشهيد القائد أن ما تقوم به المقاومة الإسلامية في حزب الله هو من ((الشواهد الحية على أن من اعتصم بالله فإنه يعتصم بمهيمن عزيز جبار متكبر)) حيث يمهد لها السيد بتساؤل: ((ألم يشاهدوا حزب الله كيف يضرب إسرائيل هذه التي يحاولون أن نصمت عنها؟ يضربها وهو لا يبالي, ويتحدونها من عند رأسها وهو لا يبالي, يمطرون معسكرات إسرائيل بالقذائف!.)) ويضيف بما يدعو إلى الدهشة من واقع أمة متخاذلة: (( وكل هذا لم ينفع لا آيات قرآنية, ولا شواهد كونية, لم يبق إلا أن تقوم الحمير, وتكلم الناس, وتسخر منهم, أو ربما تكون دابة شكلها والله أعلم ربما بالشكل الذي يرى الإنسان نفسه في خزي أن تحدثه مثل تلك الدابة, وتسخر منه وتقول له: إنه كان بآيات الله لا يوقن, الله أعلم في أي زمان قد يحصل هذا)) .
من الآيات القرآنية التي غفل عنها المسلمون هو ما حل بالعدو الإسرائيلي من الذلة والمسكنة، وكذلك توعد الله سبحانه بقوله:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}(الأعراف: من الآية167)، عندما يمر الشهيد القائد على هذه الآية يستطرد بأن ما يجري لليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة على أيدي المجاهدين، بأنه من هذا العذاب المهين: ((أليست هذه واحدة؟ يكون عذاب مهين، مهين، ماذا يعني مهين؟ يعني يجعلك تحتقر نفسك عذاب يحقرك. لاحظ الأعمال التي تأتي من جانب [حزب الله] و[حركة حماس] و [الجهاد] والحركات المجاهدة، إسرائيل ترى نفسها كبيرة، ومؤثرة، ويأتي هؤلاء يزعجونها إزعاجاً يجعلونها تبدو صغيرة ! يُقَزِمُونَها أمام الآخرين! أليس هذا عذاب مهين؟! مهين، هذا مهين.)) ولمزيد من التوضيح، وتفسير لماذا يكون ما تفعله المقاومة بالكيان الغاصب مهينا: ((أعني: قد تأتي مثلاً هزيمة مع طرف هو نِد باعتبار طاقاته، باعتبار قوته، قد لا يكون مهينا، أحياناً يكون طبيعيا في الصراع، أنه جهة مع جهة هناك تكافؤ كبير هذا طبيعي، الحرب سجال{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية140). لكن هذا كبير جداً، وفي المقابل ، هذا ضعيف جداً، ووسائل تعتبر بدائية بالنسبة لما معه هو، ويزعجونهم إزعاجاً رهيباً يقلقونهم ويبرهنون أمام العالم بأن: إسرائيل هذه ممكن أن تضرب، إهانة، عذاب مهين. هذا مظهر من مظاهر عذاب مهين، وفي الأخير جهنم)).
لا يغفل الشهيد القائد ما ينشأ من حالة اليأس لدى الأمة أمام جبروت الولايات المتحدة، وكيان العدو الإسرائيلي وإمكاناتهم العسكرية الهائلة والتقنيات المتطورة، والقدرات المالية الضخمة، ويضع يده على الجرح، قائلا: ((الحالة التي تأتي تترسخ عند الناس أنه [ماذا سنفعل بهم؟ ما هو جُهدنا أمام قوتهم؟] ألسنا نقول هكذا؟)) أمام هذه الحالة ينقل الشهد القائد، بتفكير الأمة إلى أن: ((الله يعلم أن كتابه هذا سيسير في أمة وسيلاقي صفوفا من هذا النوع، لكنه يعلم بأن باستطاعة عباده المؤمنين أن يعملوا الشيء الكثير الذي يؤهلهم إلى درجة أن يقهروا أعداءه،)) ثم يضيف: (( ألم يضرب شواهد في واقع الحياة؟ ألم تكن إيران كمثل للدول الإسلامية؟ ألم يكن حزب الله كمثل لكل الطوائف، ولكل المجتمعات؟ حزب واحد ألم يقهر أمريكا وإسرائيل؟ أخرج أمريكا من لبنان، ضرب بارجاتها وجعلها تنسحب ذليلة ببارجاتها التي كانت تضرب بقذائف كبيرة جداً, أخرجهم من لبنان، ثم أخرج إسرائيل من لبنان، ويضربهم بمختلف الأسلحة التي يمتلكها، فقهر أمريكا وإسرائيل، حزب واحد!!))
نعم .. هو حزب واحد، مجموعة من المؤمنين، استطاعوا أن يحصلوا على السلام، لكن ليس بالتخاذل، ولا بالسكوت، فالسلام ، كما يؤكد الشهيد القائد، له سبيل واحد، لكن ذلك السبيل ليس فيه مكان للسكوت ولا اليأس، انه رضوان الله عليه يقدم السلام استنادا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} فيأخذ بيدك إلى ذلك السبيل، ((إنه بكل ذلك يهدينا إلى السلام، يهدينا إلى سبل السلام، فكل من ينشد السلام، كل من يريد السلام، كل من يعرف أن ربه هو السلام، إن عليه أن يتحرك على أساس القرآن)). من هنا ينطلق السيد حسين إلى الواقع الذي نراه في تجربة حزب الله، مرة أخرى ليقدم شواهد حية: (( ولنرى مصداق ذلك ماثلاً أمام أعيننا، [حزب الله] في لبنان، أليس الآن يعيش في سلام؟، [حزب الله] في لبنان هل التزم الصمت والسكوت؟ أم أنه مجاميع من المؤمنين تشبعوا بروح القرآن الكريم التي كلها عمل وجهاد، كلها وحدة، كلها أخوّة، كلها إنفاق، كلها بذل؟)) ولا بد هنا من المقارنة لتكتمل الصورة، ليضيف الشهيد القائد أن أمريكا وإسرائيل في تعاملهم مع الزعماء والخاضعين من الأنظمة العربية، ((ها هم يذلون زعماء تلك الملايين، زعماء يمتلكون مئات الآلاف من الجيوش المسلحة بأحدث الأسلحة)) ((كل واحد منا لا يرضى لنفسه أن يكون في مقام أي زعيم من هؤلاء الزعماء لأننا نراهم هم أذل منا، الذلة التي حصلت بسبب آخرين, بسبب أعداء الأمة فقهرونا جميعاً، نحن نرى الزعماء أكثر ذلا منا. لماذا؟ نرى أنهم كيف أصبحوا هكذا وبأيديهم كذا وكذا, ويمتلكون كذا وكذا.. الخ. أليست هي مقومات العزة لديهم؟ هي من منظارنا ما يعزز الشاهد الكبير على أنهم أذلاء أكثر منا أمام الأعداء الذين أذلونا جميعاً, نحن وهم. {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} (النساء: من الآية139) جميعا!!.. حزب الله أليس يبدو أمامنا عزيزا, والزعماء يعرفون أن ذلك الحزب, وزعيم ذلك الحزب يبدو عزيزاً، وهل يمتلكون شيئاً مما يمتلكه الآخرون؟. لا.. من أين هذه العزة؟ هي العزة الإيمانية: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً})).
ليكون هذا مجددا مدخلا لإنعاش الأمة، ((لو تحرك هؤلاء كما تحرك [حزب الله] في لبنان, لو انطلقوا – وهم الآلاف وفيهم الشباب وفيهم من يعرف كيف يستخدم الأسلحة – لو انطلقوا كما انطلق [حزب الله] في لبنان لحققوا لأنفسهم السلام كما حققه حزب الله لبلده ولشبابه ولمواطني جنوب لبنان. أليس هذا هو ما نجده ماثلاً أمامنا؟ نحن علينا أن نأخذ الدروس ونحن في بداية الأحداث، لا يجوز بحال أن نسكت ونحن نسمع أن الأمريكيين يدخلون إلى اليمن. لماذا جاءوا؟. وماذا يريدون أن يعملوا؟)).
هكذا إذن يقدم الشهيد القائد نموذجية حزب الله، وقيادة حزب الله، وعناصر وكوادر حزب الله، ويلفت أيضا كيف يحاول الأعداء وأدواتهم في بلداننا العربية تغييبها عن الوعي الجمعي لشعوبنا، فلا تكاد تجد شيئا عنها في وسائل الإعلام العربية، بينما حقها أن تظل حاضرة بقوة، بما تمثله من مثل أاعلى، وأسوة، للأفراد والجماعات والأحزاب، وبكل أسى يتحدث السيد حسين الحوثي: ((يأتي في هذا الزمن مثلا كالسيد [حسن نصر الله] كحزب الله مثلاً، ونصر الله باعتباره شخصا مهما, ورجلا قويا, ولديه حنكة قيادية عالية، هل تسمع وسائل الإعلام العربية تتحدث عن حزب الله؟ أو تسمع وسائل الإعلام العربية تتحدث, أو تعرض كلام نصر الله؟!. يهربون من الرجل القوي، بينما أولئك (يقصد العدو الإسرائيل) يبحثون عن الرجل القوي، كيف النتيجة الطبيعية لهذا؟ هو أن يكون هؤلاء ضعافاً بضعف زعمائهم, ضعافاً بضعف نفوسهم، ضعافاً لأنهم لا يحملون أي اهتمام بشيء، كيف يمكن أن تكون قوياً وأنت تحمل نفساً ضعيفة, لا تهتم بشيء؟ وسيظل اليهود هم الأعلون فوقهم، أليس شارون هو أشد شخصا في تاريخ مواجهة إسرائيل للعرب – كما يعتبرونه -؟ من أشد المجرمين ضد العرب، انتخبوه بعد أن رأوا الذين قبله لم يكونوا بالشكل المطلوب، الكل من زعماء العرب قد يكونون مقبلين على مؤتمر، مؤتمر يقدُمون فيه بنفوس ضعيفة، يدخلون إلى صالات المؤتمر بنفوس ضعيفة، نفوس ضعيفة! الآن مؤشرات ما سيحصل في ذلك المؤتمر هو: بحث عن التسوية في الوقت الذي ليس مناسباً الحديث عنها على الإطلاق، بعد أن حصلت هجمات من جانب الفلسطينيين قوية، وأصبح الرعب ينتشر في أوساط المواطنين في إسرائيل، الآن يسارع زعماء العرب ليبحثوا عن تسوية تخلص إسرائيل من هذه المشكلة)).
اكثر من التغييب هناك محاولات تشويه، ((ما يتعرض له اليوم حزب الله، ومن هو حزب الله؟. إنهم سادة المجاهدين في هذا العالم، هم من قدموا الشهداء، هم من حفظوا ماء وجه الأمة فعلاً، لقد ظهروا بالشكل الذي كنا نقول: (مازال هؤلاء يحافظون على ماء وجوهنا, هم الذين حفظوا الشهادة على أن الإسلام لا يمكن أن يُهزَم).هم اليوم تحاك ضدهم المؤامرات، ولكن بأسلوب آخر، حزب الله يُدبر له تحت عناوين أخرى لا تكون جذابة)) كان الشهيد القائد بنظرته الثاقبة يدرك محاولة الشيطان الأكبر، تشويه حزب الله، وهذا ما نراه ماثلا أمامنا، وقد يسجل بعض النجاح لقوى الشر، في قلب الحقائق انطلاقا مما يحصل في سوريا، وتقديم ما يقوم به حزب الله هناك، في إطار الطائفية ، ووصمه بالتوحش وقتل الشعب السوري، رغم انه يقدم التضحيات في حماية سوريا وشعبها من مؤامرات كبرى، والهدف كما يقول الشهيد القائد: ((ليُضرَب حزبُ الله فيما بعد ثم لا يتحرك في المسلمين شعرة واحدة، يُضرب من يُضرَب فليُضرَب حزب الله فلتضرَب إيران فليُضرَب العراق كل هؤلاء ليسوا بشيء))..
ختاما: عندما يقدم الشهيد القائد تلك الشواهد من واقع الأمة، وما اجترحه المجاهدون في حزب الله، يستثير بها همما كانت قد خفتت، ويوقظ بها عزائم كانت قد انهارت، ويقوي بها نفوسا كانت قد ضعفت، ((نحن هؤلاء الناس الذين نقول: لماذا العرب لا يعملون شيئاً؟؟!. نحن نستطيع أن نعمل شيئاً، إذا رجعنا إلى القرآن كما استطاع حزب الله، وحزب الله من الأمثلة الإلهية، يجب أن نفهم أن هذه من الحجج علينا، احتج الله على العرب وعلى المسلمين بإيران وبالخميني، واحتج على الشعوب كشعوب، على الناس كطوائف بحزب الله، حزب الله استطاع أن يرعب إسرائيل، استطاع إعلامه أن يقهر إعلام إسرائيل، استطاع أن يؤثر جداً على إسرائيل)). ((حزب الله أليس هو مجموعة من الشعب – أم أنه سلطة – استطاع هو أن يذيق أمريكا وإسرائيل الأمرين، استطاع أن يجعل الإسرائيليين ترتجف قلوبهم من ذكر [حزب الله]، اسم [حزب الله] أصبحت ترتجف منه أفئدتهم، أصبحت ترتعد منه فرائصهم؟.))
بهذا نصل إلى نتيجة يخشاها العدو، وتقف في سبيلها أنظمة الخضوع، هي الشعوب التي دعا السيد حسين الحوثي، أن تترك في مواجهة الأعداء، بعد أن استسلمت الحكومات، ويئست، يبقى الرهان عليها، ولا تزال بعيدة عن حالة الأنظمة، ولهذا ركز الشهيد القائد عليها، ((دعوا الشعوب تواجه، أما أن تكونوا أنتم من وصل بكم الأمر إلى هذه الحالة من الضعف, إلى هذه الحالة من الوهن، تريدون أن تفرضوا هذه الحالة على الشعوب، و أصبحتم ترون أن كل الناس يرون الآخرين بأعينكم، وينظرون بنظرتكم!، لا, دعوا الشعوب أن تواجه، وكثّر الله خيركم أن تدعوا الناس يواجهون أولئك)). الشخصيات، ومن أكثر الزعماء الإسرائيليين.
في الخميس 21 يوليو-تموز 2022 07:06:39 م