|
لا يمكن أن نجد فيروساً من الفيروسات القاتلة أو ورماً من الأورام الخبيثة، أو مرضاً من الأمراض التي تنتشر بالعدوى، ما قد يصل لمستوى مرض الفهم القاصر والتفكير المحدود، المبنيين في الأساس على ما تم اعتماده في مجال العلم والمعرفة، من نظريات خاطئة، وأحكام باطلة، وثقافات مغلوطة، حتى وإنْ قمنا باستقصاء آثار جميع الأمراض التي أصابت المجتمع البشري عبر التاريخ، ثم قمنا بعد ذلك بإحصاء كل ما ترتب على حدوث الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وغيرها، وأضفناها لما سبق وجمعناه من نتائج وآثار الأمراض التي أصابت وتصيب الإنسان، لوجدنا أن المرض الذي يصيب الروحية، ويهاجم الفكر، ويتغلغل في التركيبة الذهنية، ويدخل ضمن مكونات البنية العقائدية، هو المرض الأقدر على التخفي والمراوغة، والأكثر انتشاراً، والأشد والأوسع دماراً وأضراراً، إذ إن الأمراض والكوارث الطبيعية قد تميت أو تتسبب بعاهة مستديمة لجزء من المجتمع في هذا البلد أو ذاك، في الوقت الذي سيعمل بقية أبناء ذلك المجتمع على الحد من مخاطر ما حل بهم، وسيبحثون عن العلاج أو الحل لما قد وقع بهم، بينما المرض الذي يصيب الفكر والروحية لا يمكن القضاء عليه بالكلية أبداً، لاسيما إذا استطاع التوسع والانتشار حتى استحوذ على أكبر قدر ممكن من المجتمعات، وتمكن على امتداد قرون من الزمن من بناء قواعده وأسسه في كل القلوب والعقول، تماماً كما نلمس ذلك في واقعنا كمسلمين.
فنحن الوحيدون بين سائر الأمم الذين نهتم بالشكليات ونغفل عن المضامين في كل شيء، على مستوى الدنيا والدين، ونحن مَن إذا ما انطلق من بين ظهرانينا فكرٌ حي وسليم، بذلنا قصارى جهدنا لإنزاله إلى ما نختزنه من فكر مذهبي، وعادات قبلية وعصبية، وذلك بالاهتمام بكل الوسائل التي يؤكد عليها ذلك الفكر، دون أن نسمح بتحقق أيٍ من الغايات التي توصل إليها تلك الوسائل، بل ما وُجدت تلك الوسائل إلا لخدمة الغايات والأهداف الكبرى، وخصوصاً عندما يكون المنطلق لذلك الفكر هو القرآن.
من هنا يمكن القول: إن المتشبعين بالمذهبية، والخاضعين للعصبية بمختلف مشاربها وأشكالها، هم العبء الأثقل على كاهل الفكر الحسيني الحي والمتجدد بثورة الحادي والعشرين من أيلول، لأنه يرى كل شيء من منظور قرآني، فكل ما يراه في الكون ويجده في النفس، ويقوم به من عبادات وأعمال هي بابٌ للاعتبار والتذكر والتعقل والتفكير والعلم والمعرفة التي تصل بصاحبها إلى اليقين، وبالتالي فهو ملزم بالوقوف على كل شيء لإدراك ما وراءه من غايات وأسرار، بخلاف التوجه القائم على مسائل فقهية وكلامية، والذي قسم الحياة إلى قسمين متناقضين، فهو بقدر ما يحاول ابتعاث شيء من الحق، تجده قد أسهم بدفن كل ما كان صالحاً لمخاطبة النفوس الصافية، وإيقاظ مقومات الفطرة السليمة.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 01 أغسطس-آب 2022 12:48:12 ص