|
ليس هناك مَن هو أكثر براجماتية وانتهازية وخداعاً وكذباً وتدليساً ممن يحرص على تتبع كل مظاهر الفساد في ممارسات خصومه وواقعهم، ثم يتغافل عن تتبع تلك المظاهر في واقعه وممارسات وأعمال وسلوكيات أبناء مجتمعه وأمته، لأن بهؤلاء وأمثالهم أصبح الباطل حقاً هنا، بينما بقي كما هو باطلاً هناك، وبهؤلاء أيضاً ضاعت الحقوق، وتبدلت المفاهيم، واختلت الموازين، واختفت المعايير، التي بها نقيس الأشياء، وندرس الأفكار، ونحكم على التحركات والممارسات سلباً أو إيجاباً، وبهم كذلك أُفرغَت الأفكار العظيمة من محتواها، وأضاعت الحركات الثورية والنهضات التحررية طريقها، قبل أن تخطو فيه خطوةً واحدةً إلى الأمام، فتشتتت بها السبل، وتناولتها أيادي العابثين، وتلاعبت بها الأهواء، حتى تحولت ذكراها إلى محطات لاستحضار ما خلفته من مأسٍ، وتركته من آلام، كما بات التوقف عند ذكرى من الذكريات لتلك الثورات بالنسبة لعامة الناس لا يمثل إلا مقاماً للتوجه بلعن رموزها وأبطالها، والتشنيع عليها، والحط منها، والازدراء لأفكارها، مع أنها كانت صادقة في دعوتها، مخلصة في مقاصدها وتوجهاتها، سليمةً من كل العيوب حين انطلاقتها، ولكنها فقدت كل تلك السمات والخصائص الإيجابية تدريجياً، وذلك تبعاً لتدرج اختفاء النقد الذاتي، والمراجعة الداخلية لكل الخطط والبرامج والأعمال، ولكل العاملين بمختلف مواقعهم ومقاماتهم، إذ تحول إعلام تلك الثورات ومثقفوها إلى بائعي أوهام لشعوبهم، وكرباج مسلط من قبل تلك السلطات والأنظمة على رأس كل فردٍ من أفراد تلك المجتمعات يحاول أن يقول: لا، عندما يرى مخالفةً هنا، وظلماً وفساداً وجوراً وبغياً وتعدياً هناك.
من هنا يتبين: أن مرد كل انحراف أو فساد داخل الحركات الثورية عائدٌ إلى وجود تلك النوعية من المثقفين، المشار إليهم في مطلع هذا الحديث، والذين يُفسح لهم المجال لكي يقولوا ما يريدون، فيتم بموجب ما يطرحونه تشكيل العقول والأفكار ذات الطابع الشيطاني، لتصبح النظرة لكل شيء محكومة بعقدة الكبر، التي ترى الأفضلية للشخصية باعتبار عناصرها الذاتية، وليس باعتبار الأعمال والتوجهات، فيسود منطق إبليس على الواقع كله، ويعلو صوته بالاحتجاج على كل من يدعو للتزام الحقيقة، قائلاً بلسان أباليس كثر: «أنا خيرٌ منه».
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 01 أغسطس-آب 2022 07:56:49 م