كربلاء.. خلاصة الصراع الأزلي
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
هل استطعنا نحن المجتمعات التي تحرص على إحياء ثورة الإنسانية في يوم عاشوراء من كل عام أن نتعرف على المقدمات والعوامل والأسباب التي أدت إلى انطلاقة هذه الثورة؟
ثم ما هو السر الذي يقف وراء هذا الانقلاب الكلي عن الإسلام، وجعل السواد الأعظم من أتباع هذا الدين يتنكرون لرسولهم، ويسكتون عن قتل عترة نبيهم، والتمثيل بجثثهم، وتسيير ذراريهم إلى عاصمة حكم الطاغية يزيد كسبايا حرب؟ وبعد ذلك كله كيف قبلت الأمة بيزيد الفاسق، الشارب للخمر، القاتل للنفس المحرمة، المرتكب للفاحشة، المنادم للقردة حاكماً عليها؟ مع أنها لاتزال قريبة العهد بالنبوة، فصوت الوحي مازال يتردد في كل أرجاء مكة والمدينة حينئذٍ، وتعاليم النبي ووصاياه لاتزال محفوظةً في الأذهان، فقد بلغهم رسول الله دينهم، وأقام الحجة عليهم، وأخذ منهم العهود والمواثيق على الثبات على الحق، والتمسك به، ونصرة من يحملون رايته، فما الذي حدث؟
إن هذه التساؤلات ليست سوى جزءٍ يسير من سلسلةٍ طويلةٍ لا تنتهي، ولكن حسبنا أن نبعث بها إلى القارئ الكريم، فعسى أن تحرض الناكل، وتوقظ النائم، وتدفع العاجز للمحاولة في الخروج من دائرة عجزه وتوانيه عن القيام بدوره إزاء قضايا حاضره، ولن نتمكن من معرفة طبيعة ما يجري اليوم وغداً، إلا إذا تمكنا من الانطلاقة من يوم عاشوراء، ومن ساحة كربلاء بالبحث العلمي المجرد، في خلفيات ودوافع المعسكرين، وفي الجذور والمباني الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية التي تكونت من خلالها آفاق الرؤى وأسس المنطلقات لكلا الفريقين، الحسينيين واليزيديين، وما هو الهدف الذي يسعى إليه كلٌ منهما، ثم الكشف عن البيئة التي ينحدر منها هؤلاء ومثلت على مر الزمن الحركة المتبنية لكل ما يقف موقف الضد للبيئة الأخرى، وبهذا سنصل إلى النتيجة التي تقدم لنا خلاصة صراع أزلي بين الحسين كامتداد للنبي صلوات الله عليه وآله، وبين يزيد كامتداد لأبي سفيان (لعنه الله)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن لنا التوصل إلى بداية الانحراف عن الإسلام، متى كانت؟ ومَن هم رواد هذا الانحراف؟ والذي لايزال محل بحثٍ من قبل كل الفرق الإسلامية، ومع هذا فالجميع غير قادرين على إشباع هذا الموضوع واستيفاء جميع جوانبه والإحاطه بكل مناحيه وزواياه، وذلك نتيجة الخوف من الآخر المختلف، أو الإغفال للقرآن الكريم، الذي يعد وثيقة تاريخية هامة، لبيان بداية هذا الانحراف، ومن هم رعاته الحصريون؟ لم تكن السقيفة، وما تلاها من ازدياد السيطرة الأموية على كل شيء، والتي مثلت الست السنوات الأخيرة من خلافة عثمان الذروة لذلك التغلغل والنفوذ لبني أمية، الذين بهم اكتمل المشهد المعبر عن حقيقة ما قاله القرآن عن الأكثرية القرشية، التي استمرت مدة ستة وعشرين عاماً في مناصبة النبي العداء، ولما قويت شوكة الإسلام دخلته كارهةً، فعملت على الانقلاب عليه سياسياً وثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً من داخله وباسمه، وهكذا يستمر الصراع بين الإسلام الإلهي المحمدي، وبين الإسلام القرشي المتضمن لكل المعاني الكفرية لقريش، والتي باتت هي المادة الثقافية الأوسع لصياغة التصور الإسلامي إلى اليوم.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الجمعة 05 أغسطس-آب 2022 07:30:13 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=5726