|
لماذا أنا في هذا البلد؟ لماذا أنا تحت كل هذا القصف؟ لماذا أنا وسط كل هذا الحصار؟ لماذا أنا محور كل هذه الحرب و النار؟ لماذا… و لماذا؟
اسئلة كثيرة تفرض نفسها.. و تدور في خلجات نفسي.. لكن علّي أعرف إجابتها أو البعض منها على أقل تقدير..
لكن قبل أن أجيب عليها.. هناك أيضاً ما يجب أن أُذكِر نفسي و غيري به..
قال تعالى”و ذكِّر فإنَّ الذِّكرى تنفعُ المؤمنين”
قبل فترة من الزمن و عندما كنّا صغاراً كنّا نسمع الكبار يحكون عن حال جيلهم و نشعر بألم و قهر كبيرين و بمرارة و غصة كوننا من أبناء هذا الجيل الذي فيه بلد عربي مسلم محتل بل و يتم فيه تدنيس مقدساتنا بذلك الشكل المهين و نحن عاجزون على كثرتنا عن أن نحرك ساكناً أو نقوم بأي شيء..
و نحن نرى اخوتنا ترتكب بحقهم أبشع الجرائم و نحن لا نملك كما نفهم و نعرف حينها إلا أن نذرف الدموع و أن نرسل لهم بعض الدعوات في الغيب..
ونحن نشعر بأننا أذلاء و مستضعفون و في نهاية الركب و أنه لا حول لنا ولا قوة.. سوى الرضوخ و الاستسلام لهذا الواقع المرير.. حتى أصبح اسوأ و اسوأ…
كانت قلوبنا الصغيرة تسافر في شوق لترفرف فوق مبنى كانوا يسمونه مبنى جامعة الدول العربية قبل أن نعرف أنها خادمة الدولة العبرية.!
وهي تتوق لأن ترجع من عنده و هي تحمل أي قرار أو موقف يشفي و لو حتى شيئا من غليلها لكنها كانت ترجع خائبة بصورة فوتوغرافية محمّلة بشيء من التنديد و الكثير من الحسرات و الألم..
لكن لأننا كنّا هنا في هذا البلد أو لربما كوننا أهل إيمان و حكمة و لأن فطرتنا لا تزال سوية لأننا الأرق قلوباً و الألين أفئدة و أهل النخوة و العزة لم تكن أنفسنا تهدأ و لا نار قلوبنا تخمد جرّاء كل ما نرى و نسمع.. و هكذا ظلت قلوبنا تصرخ من الألم حتى صرخت حناجرنا و ملأ صراخنا الدنيا يُزهِقُ الباطل ولا يخضع..
حينها فقط شعرنا بالرضا لأن هذا ما يتناسب مع فطرتنا التي لا تزال سوية و آدميتنا التي لا تزال تنبض و حيّة، و حينها أيضاً حمدتُ الله لأنني هنا..
و من هنا عرفت كم كنت سأشعر بالألم و الحسرة لو كنت لا أزال من ذلك الجيل الخانع الخاضع الذي لا يمثل العروبة الأصيلة ولا يشرف الإسلام والمسلمين..
لذلك سأظل أقول و أردد الحمدلله أنني هنا.. و لا غير هنا..
وعلى الرغم من كل المآسي و الآلام التي أعيشها و الإستهداف الذي يُمارس علي و يطالني في كل جوانب حياتي.. لكن.. أقول و بكل رضىً و سعادة.. الحمدلله أنني هنا..
فأنا أعلم يقيناً أنه سيأتي جيل بل و أجيال بعدي..
ومن المؤكد أنهم سيعرفون أن أبناء هذا الجيل سيّروا الطائرات و أقاموا الدنيا و لم يقعدوها لكي يطفئوا نيران إسرائيل.!
وأنهم أطلقوا هاشتاق.. يا غارتاه.. #إسرائيل_تحترق.
لكنني حينها سأقف بكل شموخ و عزة و فخر و أقول :توقف يا كاتب التاريخ.. فلا يحق لك أن تكتب أن الجميع في هذه الحقبة السوداء و المظلمة في تاريخ الأعراب و المتأسلمين..
هبّوا لإغاثة إسرائيل و أن مملكة العهر تبرعت بمائة مليون دولار لمن قد يكونون تضرروا جرّاء تلك الحرائق من أحبائهم من اليهود..!و هم من لم يتحركوا قيّد أنملة لكل ما يحدث لأبناء فلسطين ناهيك عن أنهم هم سبب الدمار الذي طال بلدان المسلمين.!و أخبرهم ماذا فعلوا ببلد الحكمة و تاريخ و حضارة الإسلام والمسلمين..!
سأقول له :توقف.. لأنني كنت هناك أحترق بنيران حقدهم و حلفاءهم ولا من مغيث.! لكنني لم أكن معهم..
لذلك.. لو خيّروني بأنني كنت في أي دولة أو في أي مكان بعيداً عن كل هذه الجرائم و النيران.. بعيداً عن كل هذا الجوع و الحرمان.. بعيداً عن كل هذا التنكر لكل مبادئ و قيم بني الإنسان..
وفي حالة من الأمن والأمان.. فما كنت لأقبل ولا لأرضى إلا بأن أكون في بلد الحكمة و الإيمان و لو احتشد على قتلي الإنس مع الجآنّ..
على أن أكون ذليلة و خانعة و خرساء ولا أملك شيئاً في دولة من يحكمها يسارع لإغاثة الصهاينة و تولي الأمريكان.. و يوغل في قتل أبناء الحكمة و الإيمان.. و حينها ما كنت
لأتمنى أن أعيش بعد الآن..
لذلك… قف يا تاريخ إجلالاً و إكباراً لمن لم يخُنِ الله و الأوطان.. و لمن كان وسط العاصفة و البركان يواجهها بكل شموخ و عنفوان..
قف وأخبرهم بأنه بقدر ما كان هناك من ظلمٍ و ظلام و خزيٍ و عار.. كان هناك نورٌ يشع على الكون يأبى الخضوع و الإنكسار..
نعم.. لذلك أنا هنا ولا غير هنا.. ولو خيّروني..
في الخميس 13 يوليو-تموز 2017 02:16:34 م