|
اليمن إلى أين ؟ سؤال يطرق بال كل الذين يعيشون واقع اليمن، ويتفاعلون مع مستجداته، وربما يجد الكثير من أهل هذا السؤال من يحاصرهم به في مقائلهم، وفي نواديهم، وقد يذهب الكثير إلى التذمر، والسب والشتم لهذا الفصيل، أو ذاك، من أطراف الفعل السياسي، والحقيقة التي تغيب عن الكثير أن اليمن أضحت جزءا مفصليا من لعبة التوازنات الدولية منذ مطلع الألفية حين تم استهداف المدمرة كول في سواحل عدن، وكان النظام الدولي والصهيونية قد دفعت عملاءها في القرن الافريقي لاحتلال أرخبيل حنيش في تسعينيات القرن الماضي، وفشلوا بعد أن مال الطرفان المتنازعان إلى التحكيم، وقد حاول النظام الدولي الاشتغال على هذا الصراع لتحقيق بعض مآربه، لكنه وجد أنه أكثر حاجة إلى التحكم في القرار اليمني، فقرر احتلال السواحل اليمنية حتى يحدث توازن مع الساحل المقابل، ولذلك دفع أدواته الاستخبارية لصناعة مبرر الاحتلال، فقامت القاعدة بتفجير المدمرة كول، فكان ذلك مبررا كافيا لاحتلال السواحل اليمنية بحجة حماية الملاحة الدولية في ظاهر الأمر، وفي باطنه كان الأمر تحسبا لما سيكون عليه الحال إذا تم تشغيل ميناء غوادر على بحر العرب، فالدراسات كانت تشير إلى وجود موقع لمرفق غاز طبيعي، كما أن الميناء كان يهدف إلى ربط شمال باكستان وغرب الصين، وهناك مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني، وقد بدأت فكرة بناء المشروع في تسعينيات القرن الماضي، وبحيث يكون الميناء موقعا لمرفق غاز طبيعي مسال عائم، وفي عام 2015م تم تأجير الميناء رسمياً للصين لمدة 43 عاما وبدأ العمل في الميناء عام 2016م، هذا الموضوع كان مقلقاً لأمريكا من قبل أن تستأجره الصين، ومن بعد أن أصبح بقبضة الصين، فمن قبل سيطرة الصين خافت أمريكا من الميناء، لأن فكرة التعاون بين ايران وباكستان مقلقة خاصة وأنهما دولتان نوويتان، فضلا عن مشروع الغاز المسال العائم الخارج عن سيطرتها، وبعد أن أصبح الميناء تحت سيطرة الصين تضاعف الخوف، إذ أصبح تفكيكاً لقوة أمريكا في المنطقة، وتهديداً لها قد يضعف من مكانتها، لذلك عملت في باكستان عملاً مكثفاً، فقد حاولت زعزعة استقرارها السياسي، وظل اشتغالها على ايران من خلال مضاعفة العقوبات الاقتصادية، وعزلها عن محيطها الإقليمي والعربي من خلال الاشتغال على المعامل النووية، والاشتغال على البعد الطائفي بين السنة والشيعة .
هذا البُعد ترك ظلالاً على اليمن بشكل مباشر وغير مباشر، فاليمن ضحية موقعها الجغرافي الذي فرض على عملاء أمريكا إعلان العدوان عليها عام 2015م ومن أمريكا نفسها .
الموضوع ليس صراعاً بين شرعية ولا انقلابيين في اليمن، بدليل توظيف كل الإمكانيات الاستخبارية والتقنيات المعاصرة في تهريب هادي من صنعاء إلى عدن، ومن ثم تهريبه من عدن إلى صلالة بسلطنة عمان، ومن ثم وصوله إلى الرياض، فالموضوع لم يكن عفوياً البتة، بل كان سيناريو معداً سلفاً قام المخرج بتنفيذه بعناية فائقة، بدءاً من حوارات موفمبيك بصنعاء وانتهاء بخروج هادي من اليمن، فهادي كان يدار من خلال سفراء الدول السبع، التي فرضت عليه تحرير طلب بإدراج اليمن تحت أحكام الفصل السابع في مقابل تنقيذ بعض رغباته الانتقامية من خصومه السياسيين بفرض عقوبات عليهم .
بعد انتهاء مهمة هادي وبلوغ الغاية منها، عزلوه بالاستناد إلى أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعينوا بديلا عنه مجلس القيادة الذي ضم كل أمراء الحرب في اليمن برئاسة رشاد العليمي الذي يستمد قوته من انتمائه القديم للأجهزة الاستخبارية البريطانية، ومن ثم الأمريكية لاحقا، إذ هو الوحيد من بين المجموعة الذي ليس له امتداد عسكري على الأرض كشأن بقية الأعضاء، مهمة مجلس القيادة الذي يرأسه العليمي أعلنه العليمي نفسه، وهو تحقيق السلام في اليمن، لكن السلام الذي تريده أمريكا وإسرائيل وليس السلام الذي يريده الشعب اليمني .
الصراع اليوم بين النظام الدولي والروس والصين على أشده، وحين فشلوا في مواجهة الروس في أوكرانيا وباءت عقوباتهم الاقتصادية بالفشل، بل وتركت ظلالا قاتلة على دول الاتحاد الأوروبي، اتجهوا اليوم إلى تايوان عسى أن يجدوا في تايوان ما فقدوه في أوكرانيا، ويبدو لي أن الأمر أصبح مستحيل التحقق، فالصين أكثر يقظة من ذي قبل، وقد لوحت بالخيار العسكري، ولذلك فحركة التوازن مع الصين تقتضي التواجد في الموانئ والشواطئ اليمنية، وهو الأمر الذي يجري التمهيد له اليوم في شبوة من خلال حركة التصفية للمؤسسة العسكرية من الولاءات المتضادة، وبحيث يصبح الولاء موحداً دون فصائل مقلقة، إذ أوكلت المهمة إلى قوات العمالقة، وقوات العمالقة عبارة عن جماعات عقائدية استخبارية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالجهاز الاستخباري الصهيوأمريكي .
الأمر أصبح واضحاً وجلياً اليوم، النظام الدولي يعاني من أزمة وقود، وطاقة، لذلك تصبح السيطرة على مصادر الطاقة من المهام الأساسية له، وأيضاً السيطرة على الموانئ والممرات الدولية حتى يتمكن من تحقيق التوازن مع الصين .
بطبيعة الحال أي حركة سياسية ذات توجه تحرري لن تكون مقبولة، ولذلك لن تستقر اليمن بل سيتم تنفيذ سيناريو العراق في اليمن، وبحيث سيعملون على تغذية النزاعات والتباينات، ويصبح كل فصيل ضعيفاً غير قادر على فرض خياراته على الأرض، ومن خلال حالة الصراع يديرون شأنهم، ويستمر لهم فرض ثنائية السيطرة والخضوع، وإدارة صراعهم بما يتسق مع سياساتهم، وحركة توازنهم الدولية .
ومن هنا يمكن القول أن مهمة مجلس القيادة مهمة انتقالية لتحقيق القدر الضئيل من الاستقرار، فهم قد يفتحون المنافذ، ويقرُّون صرف الرواتب، ويعملون على التخفيف من الضغط النفسي، بحيث يميل الرأي العام معهم، وفي السياق سيبقون على بؤر التوتر، وتوسيع دوائر الشقاق بين أبناء الوطن الواحد .
في الجمعة 12 أغسطس-آب 2022 07:34:24 م