من وحي ثورة إيران الإسلامية
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
لقد قادني الشغف المسكون بفضول البحث والاطلاع على مقررات وأدبيات الشعوب الحية، ذات الاتجاه الثوري والتحرري، المبني على أساسٍ من الشريعة الإلهية، والملتزم بثقافة الإسلام الأصيل، إلى الانطلاق في رحلةٍ مع نتاجات الثورة الإسلامية في إيران، بلغت العامين حتى لحظة كتابة هذه المساحة، وستستمر كذلك إلى ما لا نهاية إن شاء الله، إذ وجدت في ما تمكنت من قراءته من تلك الكتابات ما تملك عليَ روحي، واستحوذ على كل كياني، لأن معظم مَن كتبوا قبل وأثناء وبعد الثورة هناك لم يكتبوا بدافع الشهرة، ولا تحت تأثير الترف الذهني، ولا بغرض التمجيد للذات، والتغني بالتجربة الثورية الفريدة من نوعها في عالمنا الإسلامي، ولربما في كل أنحاء العالم الإنساني، ولو أنهم فعلوا ذلك لما جانبوا الصواب، ولكنهم ظلوا في تتبعٍ دائم للحركة الثورية، مستنطقين لكل خطواتها، ومدققين في كل مناحي واتجاهات العاملين، سواءً من حيث طبيعة الدافع للحركة، أم من حيث الأسلوب المتبع أثناء القيام بأي عمل، أو التنفيذ لأي مهمة، كل ذلك من واقع الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، والتي تقضي بضرورة البقاء في الساحة الثورية، بحس واندفاع واعٍ وفكرٍ ناقدٍ ومبدعٍ وخلاق، وروحيةٍ حاضرة، وإرادةٍ قوية، لا يقبلون بأنصاف الحلول، ولا يسكنون إلى الزهو والخيلاء، فيقنعون بما قد تم تحقيقه، ليروحوا بعدها في نومٍ عميق، مستسلمين لدغدغة الأماني، ومستريحين إلى الأحلام والخيالات، فلا مكان لديهم للتحرك كيفما اتفق، ولا مجال لترك ممارسة النقد، الذي به يتم محاكمة الكلمات والمواقف والأعمال بناءً على مدى التزام العاملين بالأسس المنهجية التي تلتزمها الثورة، في سائر أحوالها، لذلك يستحيل أن تجد مَن يبرر للعاجز عجزه، أو مَن يبذل قصارى جهده لتسويغ وجود خلل ما، أو محاولة التخريج والفلسفة للأخطاء أياً كان حجمها من حيث كبرها أو صغرها، وأياً كان مستوى مرتكبها من حيث المقام الاجتماعي، أو الموقع القيادي، لأن الهدف الذي سعى إليه رموز ومفكرو هذه الثورة هو: الإيجاد للرؤية العملية المعبرة عن المجال النظري، بحيث تتحقق للثوار مسألة القدوة الشاملة على مستوى النظرية والتطبيق، هذا أولاً.
وثانياً، لأنهم وجدوا أن مهمة الثورة ليست متوقفةً على إزالة نظام واستبداله بنظام آخر وحسب، وإنما لا بد من أن يكون البديل الذي تقدمه الثورة منسجماً ومقتضى العبودية لله، إذ تقرر الثورة الإسلامية ومن وحي ثقافة القرآن الكريم: أنه لا يستطيع تشييد الطبيعة وبناء الحياة إلا الذين يتحركون كعبيد لله سبحانه، لأنهم هم الذين لن يسقطوا تحت تأثير ملذاتها وزخرفها، وتلك أولى الخطوات لإيجاد المجتمع المثالي، الذي يعتمد في الوصول إلى مقام الكمال على العقل العملي المستوحى من تعاليم الوحي وحركة النبوة، متجاوزاً بذلك النزعة المادية، ومتمسكاً بمعنا إنسانيته، الذي لا سبيل للحفاظ عليه إلا بالاستجابة لنداء الفطرة، والعمل المتواصل على تزكية النفس.
وفوق هذا كله تعزز الثورة في وعي جمهورها الجمعي أن قضية صنع المجتمع الذي يريده الوحي ويسعى له الأنبياء والرسل ليست فقط في إزالة الظلم وإقامة العدل، وإنما هي في التخطيط لتحقق العدالة القائمة على أساس الوعي، الذي هو نتاج المعرفة العلمية، المنطلقة باسم الرب سبحانه، وذاك ما تقرره أول آية من سورة العلق: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، لأنها المعرفة التي ستجعل الحركة العلمية مضبوطة بضابط الإيمان الموصل إلى التقوى، التي لن تكون خوفاً ساذجاً مقامه الجهل، وإنما التزام بالمسلمات والوقوف على الحدود التي حددها الله، وبالتقوى لا غير تقاس المقامات وتحدد الأماكن للناس، فبها يُعرف الفاضل وضده، ولا قيمة لأي معيار آخر.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الإثنين 22 أغسطس-آب 2022 01:04:02 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=5821