|
لدى كل فردٍ من أفراد المجتمع من القدرات والقابليات التي لو أن هناك فعلاً وعياً من قبل الدولة بأهمية تلك القدرات والقابليات، وشيئاً من الإحساس بالواقع، وما فيه من متغيرات وتحديات وصعوبات، لعرف المعنيون بتحمل المسؤولية حاجتنا الماسة لاستيعاب كل القدرات، وتشجيع ودعم ورعاية كل مَن لديه قابلية على أن يتعلم أو ينتج في أي مجال من المجالات، لأن ذلك هو الدرب الواضح والخيار الوحيد لتحقيق النهوض الحضاري، وإيجاد التنمية الشاملة والحقيقية على كل المستويات، ولكن يجدر بنا وقبل السعي لإيجاد هيئات ولجان عليا من أجل القيام بهذا الدور، أن نعمل على تهيئة الأرضية المناسبة لذلك البناء، الذي لا يمكن له أن يقوم ويستمر إلا إذا كان الأساس في وجوده وانطلاقته مستنداً إلى تعاليم الله سبحانه وتعالى، التي يأتي في مقدمتها: إشاعة قانون المساواة بين جميع أبناء المجتمع، فبه يتم تعزيز روابط الوحدة والمحبة بين الجميع، بما يجعل كل فرد يشعر أنه معني بالقيام بدوره للحفاظ على محيطه الاجتماعي، وحمايته من كل خطر يتهدد وجوده، وتوفير كل ما يؤمن له العيش بكرامة، وهكذا عندما تتحقق المساواة، ويصبح معيارنا في اختيار الأفراد لأي منصب من المناصب قائماً على أساس التقوى، ستزول الشحناء والبغضاء من النفوس، وتتلاشى العداوات، وتسود روحية المسارعة إلى فعل الخيرات، في جو من التنافس بين الجميع، إذ باتت الفرصة متاحة أمامهم، وأضحت الظروف مهيأة لهم في أن يقدم كل فرد ما لديه من جهد، ويعمل كل ما بوسعه، كي يسهم في تحقيق النماء والرقي لمجتمعه وأمته، ولا يكتفي القرآن الكريم بالتأكيد على المساواة فحسب، بل نراه يحث على تعزيز مبدأ الأخوة، ليصبح الجميع في واقعهم معنيين برعاية بعضهم البعض، يتحركون في جوٍ تحكمه المحبة والألفة، ويعمه الإحسان والبر، ويشيع فيه التعاون والعدل والرحمة.
من هنا سيصل المجتمع إلى المرحلة التي تتيح له امتلاك أهم عاملين لتحقيق النصر على الأعداء، وهما: رسوخ الإيمان، ووحدة الكلمة والموقف. ولا يخفى على أحد طبيعة ما تعرض له هذان العاملان من تشويه واعتساف، حيث يعمد كل فاسد أو مقصر في استغلالهما لصالحه، وجعلهما وسيلة لتبرير ما هو عليه من سلبية وانحراف وضعف في تحمل مسؤوليته، وذلك بإكثاره من الحديث عنهما، بعد أن يقوم بصياغة التصور الذي يوائم وضعيته، فيجعل هذين العاملين في خدمة ما يحدده هو لهما ويرتضيه، بعيداً عن التصور الذي وضعه القرآن، إذ نجد الكثير من آياته تؤكد أن الإيمان يعني: تحمل مسؤولية الحياة كلها، وليس مجرد شعار تخديري، ومادام المعنى العام له هو المسؤولية، فمن الطبيعي أن يواجه المؤمنون الصعاب الكثيرة والشدائد المتعددة، لذلك جاء الحث على الصبر الفردي لكل مؤمن على حدة، كوسيلة لإيجاد وتحقيق الصبر الجماعي، الذي يعني تعزيز العلاقات الاجتماعية، من أجل الوصول إلى مستوى التماسك لمواجهة كل التحديات والظروف، وهكذا فإن الصبر الجماعي يؤسس لانتقال الكل إلى مرحلة المرابطة، وهي العمل على تدعيم كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والقيام بكل ما يحتاجه الناس بصورة مستمرة، وعدم الإغفال لأي جانب من الجوانب، التي يؤكد عليها الدين، الذي هو القانون الشامل لمقتضى العلاقة بين المخلوق والخالق والكون، كما لا تبقى تلك النقاط الثلاث بمعزل عن الإطار الذي يحكمها ويحدد منطلقاتها وهو التقوى، وبهذا يتجاوز المجتمع كل الظروف الصعبة، ويتمكن من مواجهة كل التحديات والأخطار، حتى يتحقق له الفلاح والسعادة في الحياتين، ولا يمكن لأي شيء أن يسقطه.
ويبقى فقط: أن نصدق مع الله ليصدقنا، وألا نستمر في المخادعة معه فيخدعنا ويضلنا.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأربعاء 24 أغسطس-آب 2022 07:28:00 م