|
بسملـــة :
لم تكن هواجسك في يومٍ ما مجرد بناءٍ كتابي مخطوط ثم مطبوع على وجه الصحيفة أو على قفا قراءاتك الممتدة من أول سورة الحمد وحتى آخر صورة لك في برنامجٍ تلفزيوني... الأمر يتجاوز شغفك المزمن بالتاريخ والأدب والعلوم السياسية والإنسانية، ويقفز كذلك على ذكريات علامات الـ50 ٪ في مادة الرياضيات. لكم كنت ممتناً للبروفيسور كومار راكيش، أستاذك في الأدب الإنجليزي خلال دراستك الجامعية، وهو يشير إلى أوجه الشبه بينك وبين الروائي الأيرلندي جيمس جويس، صاحب رواية «عوليس» الشهيرة! كان جويس ضعيف البنية والنظر والرياضيات؛ وهو وصفٌ يليق بك تماماً. أما أمنية البروفيسور في أن تصبح روائياً شهيراً كجيمس جويس، أو شاعراً كبيراً مثل تي. إس. إليوت صاحب قصيدة «الأرض الخراب»، فكأنها أُمنية ألقاها على قلبك الشيطان، فنجحت في الغواية وفشلت في الشعر والرواية أيضاً!
لم تجتهد ربما في تحويل قصاصات السجائر المنظومة إلى قصائد شعرية حقيقية ظفرت ببعضها ذات حظٍّ قبل عقدٍ ونصف للفوز بجائزة رئيس الجمهورية للشعر ومبلغٍ مالي شريت بمعظمه مزيداً من الدواوين والروايات والخيبات كذلك!
خيبتك التالية كانت حين أهملت ملاحظة أحد أصدقائك الآفلين بشأن تطوير نثرياتك المبعثرة في صفحات بريد الجرائد وعلى لوحات المجلات الحائطية، إلى قصص طويلة وروايات قصيرة.
ربما لم تكن خياراتك كلها مفتوحة تماماً، بدايةً من تخصصك في الأدب الإنجليزي، وليس نهايةً بتعويمك بين كتابة العمود السياسي وبين إصابة العمود الفقري. غير أن طرقك جميعاً لم تكن أيضاً ذات اتجاهات إجبارية.
هواجســـــــــك تلك البعيدة عـــــن القصيدة والقصة القصيرة القريبة من البـــــــــازل والحكاية والصحيفة الشعبية هي ذاتها الممتلئة بينك مليون تيرا بايت تواريخ وشماريخ، أمكنة وأزمنة، حوادث وأحاديث، أمنيات وأغنيات، كلمات ولكمات، بلاد وعباد، عزائم وهزائم، شغف وترف، ارتشاف وارتجاف، انضباط واعتباط، شخوص وطقوس، طفولة وكهولة، حارات وقارات، مدارس ومتارس، سكون وسجون، عصافير وأقفاص، صلوات وغوايات، بندق وجوز، محبرة ومقبرة، حبيبات وخيبات، أصدقاء وطعنات، عصيد وسبايا، ثورات وخونة، ثروات ولصوص، مداد ورماد، قات وكيف، هَمّ وكم، شهداء وقتلة، تحرير وخوف، حروف وسجائر، سعال وسهر، إنجاز وتسويف، تعبير وسلاسل، جيران وعدوان، حرية وسيف، جريدة وجريمة، وطن وألف ألف ابن كلبٍ وابن آوى...!
مدفعجي الكتابة الساخرة، قشاش المقالة النقدية، رأس حربة الصحافة البرقية، مهاجم التكثيف الصحفي، الظهير المتمرد... وألقاب غيرها تعتز وستظل تفخر بها وبأصدقاء أكرموك إياها؛ لكنك وبرغم كل ذلك ستبقيك هواجسك بعيداً عن صفوف أي فريق وخارج تشكيلة أي منتخب، وسيظل مكانك أيضاً، ليس على أي دكة احتياط، بل ستتأبد جالساً على مقعد في مدرجات الجماهير أو واقفاً مع الناس المتفرجين على الشاشات خارج الاستاد، وستدفع مثل الملايين أشباهك ثمن الفوز والخسارة على السواء وبعيداً عن السياسة قريباً من الله ستنجو!
* نقلا عن : لا ميديا
في الأحد 04 سبتمبر-أيلول 2022 07:25:07 م