|
لا نحتاج لحل مشكلاتنا اليومية، وإصلاح أوضاعنا المتردية، وبناء واقعنا ومجتمعنا البناء القوي والشامل إلى استيراد أفكار من الخارج، أو إلى مَن يزودنا بأدوات تقنية حديثة ومتطورة، وإنما نحتاج إلى توجه صادق، نابعٍ من رغبةٍ جادة، وإرادة حقيقية لتغيير أنفسنا أولاً، لأن كل إخفاقاتنا في الواقع العملي، إلى جانب ما نعانيه من عجزٍ هنا، وفشلٍ هناك، وتراجعٍ يصل لدرجة الانقلاب على الأعقاب هنالك، ما هو إلا انعكاس لما عليه أنفسنا من الداخل، وكشف دقيق لكل عللنا وأمراضنا، فكفانا مغالطة للناس وخداع لأنفسنا، ولنتمعن جيداً في هذه القاعدة الإلهية التي تضمنها القرآن الكريم، وذلك قوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم». فلنغير أنفسنا لكي نتمكن من تغيير الواقع كله من حولنا، وسنجد مادمنا متمسكين بهدى الله ما يعيننا على تحقيق كل ما نصبو إليه، المهم أن نبدأ فعلاً بوضع أقدامنا في المسار الصحيح، ونرمي بأبصارنا صوب الغاية المراد تحقيقها، مع الحفاظ على طهر الوسائل المتبعة في سبيل التحقيق لأهدافنا القريبة والبعيدة.
وأول شيءٍ لا بد من إدراكه هو: استحضار النماذج الرسالية التي لا نكاد ننتهي من إحياء ذكرى أحدها إلا ونلتقي بذكرى آخر، ولكننا مازلنا نحتفي بهم كرموز تاريخية لا نريد لها أن تزور واقعنا بما قدمته من منهجية عملية في سيرتها ومسيرتها المتعددة الجوانب، والقادرة على مدنا بكل ما يمنح ساحتنا الغنى التام عن استجداء فتات الآخرين وذلك لن يتم إلا إذا قام عملنا الإحيائي لكل ذكرى نصادفها لأولئك الهداة في اتجاهين:
1. دراسة تجاربهم العملية دراسة شاملة، بحيث نستطيع من خلالها أن نتعرف على شخصياتهم وأساليبهم العملية، ودوافعهم في كل ما قاموا به من جهد وجهاد، ومرادهم من القيام بكل ذلك، وطبيعة التحديات التي واجهوها، ثم كيف كانت وضعية المجتمع الذي تحركوا فيه، وما هي التعقيدات والأمراض التي حالت دون نهوض تلك المجتمعات بواجب النصرة والمساندة لأولئك.
2. العمل على استلهام سيرتهم العملية، وسماتهم الأخلاقية، وكل ما قدموه من وحي تمثلهم لدين الله ومبادئ الرسالة، وجعل ذلك كله أصلاً من أصول سياستنا وتربيتنا واجتماعنا واقتصادنا وثقافتنا وإعلامنا وسائر شؤون حياتنا.
ثانياً: الوعي بأن أي توجهٍ ثوري لا يبدأ من حيث بدأ أنبياء الله ورسله عليهم السلام، لن يُكتب له النجاح ولا يمكن له البقاء والاستمرار على قيد الحياة، وقد زخرت التجربة العملية لرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله، بهذا المبدأ العظيم، بل كان اللبنة الأولى في تأسيس المجتمع المسلم، وبناء الدولة، وهو: مبدأ المؤاخاة بين جميع أبناء المجتمع، لكي تزول كل الطبقات، وتسقط جميع الحواجز المانعة من إيجاد الطبقة الواحدة، ذات البنيان القوي والمتماسك والصلب، «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيانٌ مرصوص». وذاك ما يجعل الفرد يعيش للجمع، ويجعل الجمع يهتم بالفرد، فلا نزعات ولا غرائز، ولا أهواء أو مطامع، فالكل يسيرون في حركة منتظمة، بناء على دوافع واحدة، وباتجاه غاية معينة، وهدفٍ مرصود، عندها لن يضحى بالفرد وما له من حقوق في سبيل المجتمع، ولن يضحى بالمجتمع وما له من حقوق من أجل الفرد، ولن يكون هنالك مَن يموت جوعاً، بينما هناك من يتقلب في الرفاه والنعيم، هذا ما نحتاجه اليوم، وهذا ما ينقصنا ليس إلا.
* نقلا عن : لا ميديا
في الخميس 08 سبتمبر-أيلول 2022 07:11:27 م