الروحية الثورية في الإسلام الأصيل
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
يتفق معظم رواد التأسيس لعودة الإسلام المحمدي الأصيل إلى رحاب الفكر، وميادين الحركة ومجالات العمل من أجل بناء الإنسان والحضارة، كالإمام الخميني رضوان الله عليه، والسيد علي الخامنائي، وسماحة المرجع والأديب المرحوم محمد حسين فضل الله، والشهيد الدكتور علي شريعتي، ومرتضى مطهري، والعلامة محمد باقر الصدر، وصولاً إلى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين على أن الدين الذي ساد في واقع البشرية على مدى قرون من الزمن، وعبر مراحل متصلة أو منفصلة من التاريخ، ليس هو الدين بمفهومه الصحيح، نعم ظل الدين بمفاهيمه ومظاهره العامة كالشهادتين، وأداء العبادات المفروضة موجوداً، ولكنها جميعها أصبحت إطارا معبأً بمفاهيم وتصورات تصب في خدمة أهداف وغايات فرعونية بعد أن تم إفراغ ذلك الإطار من بعده التنويري، ومبادئه التربوية، وأهدافه الإلهية السامية، التي تنير للمسلم دروبه كلها، وتطلق فكره وروحه من أسر كل قيد يشده نحو التسافل والانحطاط، وتحرره من الخضوع لأي قوة يشعر إزاءها بالتذلل والانسحاق، وتجعله عبداً لله، حراً أمام كل جبارٍ وطاغيةٍ وظالمٍ مستكبرٍ غشوم، الأمر الذي جعل هواة التسلط والسيطرة على العباد يشعرون بمدى خطورة هذه المعاني والأبعاد، في ما لو تمكنت من الدخول إلى البنية الروحية والفكرية لكل فرد، وصنعت المجتمع على صورتها، فأين سيكون موقع أولئك المتسلطين،، وكيف سيكون مصيرهم في مجتمع عرف ربه، ووعى دوره، ونهض لتحمل مسؤوليته، وتوفرت له من العوامل التي تبني الإرادة، وتصنع الثبات والعزم للوقوف بوجه كل قوة استبدادية، وخصوصاً بعد خوض أكثر من معركة من قبل المستبدين مع الإسلام الأصيل، ذاقوا خلالها الويل، وتجرعوا مرارة الفشل والهزيمة الساحقة، فتوصلوا في نهاية المطاف إلى أنه لا بد من إخماد هذه الجذوة من العشق والسمو والحرية في نفوس المسلمين، وتحطيم تلك الشعلة التي تقوم على أساس معرفة الله في أرواحهم، وذلك عن طريق مسخ الثقافة ذاتها التي كانت السبب وراء كل هذه التحولات النفسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية وغيرها، من خلال ثقافة تتفق في ظاهرها مع الدين وتتبنى مفاهيمه، وتدعي الحرص على حماية شعائره وقيمه، ولكنها تعمل على تحطيم جوهره، وتسطيح عقول متبعيه، وتبديد قواهم، وإبعادهم عن ساحة المسؤولية، وبدلا من أن يكون الإيمان مقترناً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مرتبطاً بالعمل الصالح، مؤكداً بالسعي للجهاد في سبيل الله، يصبح الدليل على وجوده في مستوى ما لدى المجتمع من القدرة على العزلة، والانصراف عن الاشتغال بكل ما يبني حياته، ومستوى ما يمتلكه من الصبر على الجوع والفقر والجهل والمرض، ومقدار ما يبديه من خضوع وطاعة لكل من يتسببون ببقائه على هذا الحال.
من هنا غابت معالم الدين الإلهي واختفت آثاره في النفوس والواقع، ليحل محله الدين الفرعوني، بأثرته القارونية، وسياسته الهامانية، وثقافته البلعمية القائمة على الدجل والشعوذة، والمنطلقة للإلهاء، والمتسمة بالجهل وضيق الأفق، الساعية أبداً لتبرير الوضع الموجود، وتعميم الجبر والإرجاء، فتموت الهمم، وتتجمد الطاقات، وتسود حالة من الرضى لدى الناس بما هم عليه، وبقي هذا الدين المناقض لدين الحق هو المهيمن على حركة التاريخ في الماضي والحاضر، لذلك لا غرابة أن نجد مفكرين إنسانيين يصفون الدين بأنه: أفيون الشعوب، لأنهم استنتجوا ذلك من واقع الحركة التاريخية للدين، كممارسة اجتماعية لها ظواهرها السلبية والمشينة، ولم يدرسوا الدين كبعد إلهي له مصادره الأصيلة ونماذجه الرسالية العظيمة والكاملة، وللأسف فقد قمنا بأخذ هذا التصور كما هو، دون أن نكلف أنفسنا مشقة البحث والتفكير، الذي يقارن ويناقش ويحاور على ضوء ما تزخر به ثقافة القرآن، وما عاشه وتمثله الأنبياء والرسل، وقدمه قرناء هذا الكتاب، ناهيك عن أن نحرص على تقديم نموذج يثبت عدم مصداقية هذا الاستنتاج، ومدى مجانبته للحقيقة والواقع.
وختاماً، علينا أن نعي أنه: لا يستطيع منهج فكري أو تنظير فلسفي صنع روحية ثورية كتلك التي يصنعها الإسلام، ولنقارن كل ما قاله الفلاسفة بمختلف مشاربهم، والحقوقيون بمختلف اتجاهاتهم في الحقوق وكيفية الحصول عليها، وبين ما قاله أبو ذر الغفاري إذ قال: عجبت لمن يجلس في بيته، لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه! فإن الإسلام يعتبر المستغل المستأثر، والساكت الخانع مهدوري الدم، لكون كل طرف منهما شريكا للآخر، فهل بعد هذه الثورية ثورية؟ وهل بعد هكذا خطاب تحرري واستنهاضي خطاب؟
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الجمعة 16 سبتمبر-أيلول 2022 07:16:37 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=5962