|
لطالما وقفت متأملاً لبعض القضايا والأحداث والشخصيات التي صارت مع الزمن جزءا لا يتجزأ من المقدسات لدى الذهنية العامة، وأمراً من الأمور التي لا يشك أحدٌ بعظمتها وطهارتها وأصالتها وصدق كل ما يقال عنها، وإذن فليس من حق أي يمني أن يحتمل مجرد احتمال بخلاف ذلك المترسخ في الوعي الجمعي كمسلمات قطعية، وبالتالي فإن التعرض لها بالنقد، أو لبعضها جريمة وكفر بواح بالجمهورية اليمنية، ودليل قاطع على أن مَن تتوفر لديه مثل هكذا نزعة نقدية إماميٌ كهنوتي رجعي ظلامي لا يؤمن جانبه، من هنا اتجه كثير من الباحثين والكتاب والإعلاميين إلى المصالحة مع الواقع السائد في عوالم الفكر والثقافة، إلى المستوى الذي درج عليه الكبار قبل الصغار، وجرت عليه الحالة التعليمية في المدارس والجامعات جيلاً بعد جيل، خوفاً من ردة الفعل من قبل الجماهير، فيما لو تمت مكاشفتها بحقيقة تلك الوقائع التي تحتفي بذكراها، وتنحني احتراماً وإكباراً ومحبةً كلما سمعت باسم رمز من رموز تلك الوقائع والأحداث، وتطير فرحاً كلما أُثير الحديث عن تلك الشخصيات التي أضحت مثلاً أعلى، ومورداً من موارد البطولة والشجاعة والعنفوان، مع أن الحقائق التاريخية تنفي كل هذا الوهم، ولكن ليس على مَن وعى تلك الحقائق، واكتشف السر الكامن وراء كل تلك الخرافات والشعوذات والتمائم إلا أن يدوس على الحقيقة، ويقوم بلي عنق التاريخ، إرضاءً لكل ما اعتادت عليه وألفته فصار جزءًا من كيانها الشخصي، وبعداً لا غنى عنه في بنيتها، أعني: العقلية الطفولية التي تجب مسايرتها كيفما اتفق، وأياً تكن النتائج والآثار السلبية التي ستنعكس على الحاضر، وتخلق عقلاً وفكرا مشوهاً في حركة المستقبل.
وما أزال أتذكر ما حدث لي شخصياً في مثل هذا اليوم، عام ٢٠١٨م، عندما أردت الكشف عن حقيقة محمد محمود الزبيري، عبر برنامج مغازي الليل، وكيف قامت الدنيا ولم تقعد، وتحرك المسؤولون من الصف الأول لردعي، وإيقافي عند حدي، فقط لأني ذكرت: شيئاً مما نشره علي نعمان المقطري رعاه الله، عبر هذه الصحيفة الثورية المجاهدة، وذلك في سياق بيانه لعلاقة الإخوان بالاستعمار والرجعية، وما لعبه الزبيري والوزير من دور في حرب ١٩٣٤م، التي قادتها بريطانيا والوهابية ضد اليمن الشمالي حينها، إذ كان الزبيري مسانداً لابن سعود ضد بلاده، ولطالما تغنى بانتصاراته المخزية، وجرائمه النكراء بحق سكان الجزيرة العربية كلها، ومن ذلك الحين أدركت: أن الوهابية وعصابة الاستبداد والعمالة، التي حكمت اليمن لنصف قرن، قد نجحت أيما نجاح، في السيطرة على منابت الفكر، لكي تضمن لنفسها العودة من جديد، حتى وإن بدت لنا اليوم مهزومة مندحرة ذليلة، لأن الدولة العميقة تعمل على حراسة المرجعيات التي ستخلق ملايين التكفيريين الجدد في قادم الأزمان.
وعليه فستسمعون ما هو أمر وأشد وأنكى على النفس في هذه الأيام بالذات، من قبل الإعلام والباحثين، الذين سيقولون لكم: إن هناك ثورة فيها ما فيها من الخلط ما بين الصدق والكذب والعمالة والوطنية والحق والباطل، ولا بد لكم مع هذا اعتبارها الثورة الأم لثورة ٢١ أيلول، متجاهلين الحقيقة التي تقول: إن ثورتنا ليست مبتورة الجذور عن نسبها وحسبها وأصلها فنبحث لها عن أم من هنا وهناك، لكونها بنت ثورة الطف، وكفاها بذلك النسب فخراً وشرفاً.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 24 سبتمبر-أيلول 2022 11:16:01 م