ثورتنا لن تموت
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
في ذكرى انتصارها الثامنة بدت ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر أكثر قوةً وحيويةً من ذي قبل، لكي تثبت لجماهيرها أولاً، ولأعدائها ثانياً، أنها ما جاءت إلا لتبقى الباعث للحياة الحرة والكريمة، من خلال منهجيةٍ قادرةٍ على العطاء في مختلف الظروف، وجميع المراحل المصاحبة لحركتها المستمرة في سبيل تحقيق جميع أهدافها القريبة والبعيدة، إذ إن القرآن الكريم كان ولايزال هو: المرجعية التي تستند إليها، والمصدر الذي تكتسب منه مشروعية الفعل، والمعطى الذي يمنحها القدرة على النمو والتجدد والتأثير والاتساع كماً وكيفاً، الأمر الذي جعل قوى الاستبداد المحلية، وقوى الاستكبار العالمي وأدواتها الإقليمية عاجزةً عن فعل شيءٍ بهدف الحد منها عن طريق الشائعات المغرضة والدعايات المضللة التي لا تكاد تنتهي من شيء منها إلا وتبدأ بأشياء أخرى جديدة، كي تصنع بين الثورة ومجتمعها الحاضن ومحيطها المتطلع إليها كنموذج يمنحه القدرة على الخلاص من الاستبداد والتبعية ويضع أمامه التجربة العملية الواقعية في كيفية الوصول إلى مرحلة التحرر والاستقلال الكثير من الحجب والأسوار والحواجز التي يتحقق من خلالها التغطية على حقيقة الثورة، مع فرض العزلة عنها في أوساط الجماهير، وعدم السماح بإبقاء أي نافذة مفتوحة أمام تدفق أشعتها التي تنير القلوب والعقول، وتعزز من نقاط التلاقي والوحدة على كلمةٍ سواء، ولكنها لم تجن سوى الهزيمة النكراء في ميدان محاربة الفكرة، تماماً كما هو حالها في كل الميادين التي حاولت بالاستعمال المفرط للقوة القضاء على هذه الثورة، لأن البعد النظري كان يتحرك جنباً إلى جنب مع البعد العملي الذي لا يبقي على النظرية مجرد أفكار معلقة في الهواء، وشعارات تدغدغ العواطف وتثير الإحساس بمعزل عن التأثير في واقع الحياة، بل يريك النظرية في مقام العمل، ويوضح لك أهمية الفكرة في مقام التطبيق والحركة، كل ذلك من خلال القيادة الثورية المتحركة بحركة القرآن، والحاملة للواء الرسالة المحمدية، والتي يمثل هذا الترابط بينها وبين كتاب الله الحماية الحقيقية للأمة من الضلال والانحراف، باعتبارهما الثقلين الذين أرشدنا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، للتمسك بهما، والسير في ركابهما.
وهكذا بقيت ثورتنا أصدق ثورةٍ حدثت في الألفية الثالثة إقليميا وعالمياً، وأنصع صفحةٍ على الإطلاق في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، بل وحتى في تاريخ الوطن العربي برمته، لأنها قامت على أسس سليمة من حيث الدوافع والأهداف، وكانت تلبية لرغبة وتطلعات القاعدة الشعبية الأوسع، مع التمسك المبدئي والقيمي والديني بكل قضايا الأمة ومقدساتها، وفي مقدمتها قضية فلسطين، والتي كما يقول أحد المحللين السياسيين: «لا تكون الثورة في عالمنا العربي الإسلامي ثورةً حقيقية وصادقة إلا بمدى تمسكها بقضية فلسطين والقدس، واعتبارها ضمن أولوياتها في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والدينية، ما لم فليست ثورة»، كما أنها لم تخضع للقوى الاستكبارية، بحيث تصبح فارغة من مضامينها ومحتوياتها، مسلمةً أمرها لقوى الرجعية في الإقليم لكي تستعيد سيطرتها على البلد بقوى خاضعة ومستعبدة تسير بسيرة سلفها، وتتنصل من كل شعاراتها، وتتنكر لكل ثوابتها، نعم لا يخلو التحرك الثوري من السلبيات، ولكن تلك السلبيات ليست حجة على الثورة، التي لاتزال قادرة على انتزاع كل استحقاقاتها، محافظةً على جميع منجزاتها وأهدافها، مستعدة لمواجهة كل التحديات التي تقف في طريقها أياً كانت.
إن ثورةً تبنت السلم الاجتماعي، وسعت في إيجاد الشراكة بين جميع مكونات المجتمع من أجل البناء هي ثورةٌ لا تموت، ولا تهرم أو تشيخ فترد إلى أرذل العمر، وإن ثورةً اشترك فيها الكبار والصغار، الفقراء والأغنياء، الرجال والنساء، المدنيون والعسكريون هي الثورة الأصيلة والباقية ما بقي صناعها، لأنها عبرت عن الكل اليمنيين، وحملت روحيتهم، وجاءت من رحم معاناتهم، وجسدت هويتهم، ومثلت أفكارهم، ولم تكن خاضعة لتقليد أي ثورة أخرى في مفاهيمها ومصطلحاتها وشعاراتها، كما فعلت الكثير من الثورات حتى على المستوى اليمني، إذ قامت باستنساخ أهداف لثورات حدثت في أقطار أخرى وجعلتها أهدافاً لها، دون أدنى مراعاة لاختلاف الثقافات والظروف والبيئات من قطر لآخر، فلذلك ماتت، ولم يبق من تلك الثورات سوى شبح الذكرى لأيام لم تعد موجودة إلا في خانات التضليل والخداع للبسطاء، والمزايدات على أحرار هذا البلد لا أكثر.
* نقلا عن : لا ميديا

في الأحد 25 سبتمبر-أيلول 2022 07:21:04 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=6030