|
يرسخ القرآن الكريم في وجدان المتمسكين به عقيدةً وفكراً والتزاماً عملياً مبدأَ الرحمة الإلهية، التي تجعلهم يعيشون الطمأنينة الكاملة في رحاب الله الرحمن الرحيم، الذي يسبغ عليهم من نعمه، ويحيطهم برعايته، ويشملهم بألطافه، فتنطبع حركتهم في الحياة، وطريقة تعاملهم مع محيطهم البشري وكل المخلوقات من حولهم بطابع الرحمة، التي هي مظهرٌ بارزٌ وسمةٌ أساسية في شخصية وحركة ومبادئ ونظرة رسولهم الكريم نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأصلٌ ثابتٌ من أصول رسالتهم الخالدة، لينفتحوا من خلال تحسسهم لآثارها في نفوسهم وشواهدها التي تتجلى في واقعهم على منهج الله الذي يربيهم على العبودية الخالصة له سبحانه، ويهديهم إلى سواء السبيل في دنياهم وأخراهم، وييسر لهم سبل امتلاك كل الوسائل والإمكانات التي تضمن لهم العزة والقوة والنهوض الحضاري، وتمنحهم الحرية والاستقلال، وتحقق لهم العدالة، وتمنع عنهم ظلم الظالمين، وبطش وطغيان وتجبر المتجبرين والمستكبرين والمتفرعنين، إذ إن دين الله ليس مقتصراً على الجانب الغيبي الذي يجعل أتباعه يلتمسون الفوز بالجنة بالعزلة عن الدنيا، والتفرغ للذكر والدعاء والصلاة والصيام وغير ذلك، ولا شأن لهم بأوضاع الناس والحياة من حولهم، وإنما هو شاملٌ للدنيا والآخرة، في ما تضمنه كتاب الله العزيز، من آيات بينات، تقدم للمصدقين بها البرنامج الشامل لكل ما يحتاجونه في كل مجالات الحياة المتعددة، وسائر شؤونهم وأحوالهم في مختلف الظروف والأزمان والأوضاع، ولا يتوقف الأمر في هدى الله عند رسم المنهج وبيان التصور العام للإنسان والكون، بل نجده يحدد الخطة التي يجب الانطلاق وفقها لفهم هذا البرنامج المتكامل، ويبين الكيفية التي لا بد للعمل أياً كان أن ينبني على ضوئها، ويبدأ من النقاط التي توضحها له هذه الآيات، نقطةً نقطة، عندها سيتمكن السائرون في خط الله من تحقيق كل ما يتطلعون لتحقيقه، ومع ذلك فإنهم لن يحرموا من الأجر والثواب وحسن الجزاء في الآخرة، على ما قاموا به من أعمال لبناء الحياة الدنيا وإصلاحها.
وهنا قد يقول قائل: هذه مجرد كلمات لا معنى لها، إذ كيف لنا أن نقوم بإصلاح الواقع للحياة في مجتمعنا ونتمكن من بناء وضعيتنا ولدينا عدو يهودي نصراني مستكبر، إلى جانب صفوف طويلة عريضة من المنافقين وضعاف النفوس، ناهيك عن وجود العاجزين والمخذولين واللاإباليين في أوساطنا؟ لذلك لنعمل أولاً على توفير قوة الردع لكل قوى الهيمنة، فنهزمهم ونذل كبرياءهم، ومن ثم نعود للبحث في واقعنا الداخلي، ولكن هذا الطرح غير مطابقٍ البتة لما يؤكده ويحث عليه الشهيد القائد رضوان الله عليه، والذي استوحى كل كلمة نطق بها من كتاب الله، إذ يضع بين أيدينا مجموعة من الأسس والمنطلقات التي تبني الأمة الشاهدة، القادرة على تحقيق النصر والغلبة من هذه الأسس:
* التمثل لتقوى الله في كل عمل نعمله، والحرص على التسليم المطلق له سبحانه، في كل ما أمر به ونهى عنه، وأرشد إليه.
* الوعي بأن قضية المواجهة لليهود والنصارى والمستكبرين وأذنابهم لا يتوقف الحسم فيها على جانب القوة العسكرية، وطبيعة ما قد تمتلكه الأمة من ترسانة سلاح رادع ومدمر، إذ إن التحرك لمواجهتهم يجب أن يسير في اتجاهين:
الأول: العمل على هزيمتهم في أوساطنا، وداخل مجتمعنا، بالمحاربة لأفكارهم وبرامجهم وأساليبهم التي تتحكم بسياستنا واقتصادنا وثقافتنا وتربيتنا وتعليمنا وإعلامنا، فإذا ما تمت هزيمتهم داخلنا بات من السهل علينا هزيمتهم في عقر دارهم.
الثاني: أما إذا كنا في معركة مباشرة معهم كما هو حالنا اليوم، فإن على العاملين ضبط بوصلة العمل بحيث تكون الحركة في اتجاه التصدي لهم والوقوف بوجوههم، مسنودة بالاتجاه الأول الذي بموجبه ستكون الهزيمة شاملة للعدو، ولن يتسنى له العودة إلى الواجهة مجدداً متى ما وازن العاملون بين التوجهين، فلا يطغى جانب على جانب.
* أنه لا يمكن التقدم لأي عمل في أي مجال من المجالات إلا إذا قام على الاعتصام بحبل الله، الذي يوحد النظرة في الفكر والمفاهيم، ويوجه الجميع في مسار واحد، تتحد فيه الأهداف والدوافع والغايات، فلا يظل هنالك مدعاة للتفرق والاختلاف، وبهذا نصل إلى مقام الحصول على عوامل إيجاد الأمة الواحدة، التي تنتظم حركتها في الحياة بموجب وعيها للمسؤولية الاجتماعية، المعبر عنها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق ما يقرره مقتضى الإيمان بالله، عندها يصير الفلاح هو المشهد العام في كل شيء.
* لا بد من المداومة والاستمرارية على تلك المبادئ، من قبل الجميع، إذ على كل فرد أن يؤهل نفسه ليكون لبنة صالحة لبناء صرح الأمة الواحد والمتماسك.
* وأخيراً، فإن سنن الله التي تسير هذه الحياة وتحكم حركة هذا الكون تقرر أن مرد كل خلل أو ضعف أو تراجع إلى النفس التي لو أنها غيرت داخلها لغيرت العالم كله، فإن كل شيء متاح لنعمل كل ما نريد، ونحصل على كل ما نحتاج، فليس هناك ما هو مستحيل في سنن الله وقوانينه المفروضة على الكون لتنظيم حركته، ولكن منشأ العجز وافتراض المستحيل ينبعان من داخل النفس، التي لا تثق بالله، ولا تهتدي بهديه، إذن، فكل مقصر في عمله بحجة قلة الإمكانات هو قاصرٌ في وعيه والتزامه وإيمانه، فقط لا غير، مهما حاول التخفي وراء الأعذار، والتحجج بالمبررات المادية وغيرها.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 01 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:44:12 م