|
يقولُ اللهُ سبحانَه: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”..
بمعنى أن رسول الله هو أسوة البشرية جمعاء وقدوتها سيرةً وجهاداً وصبراً وتحَرّكاً وقيماً وتعاملاً مع الآخرين وأن يُتخذ رسول الله سبيلاً وَطريقاً للسير وللهدى إلى الحق وإلى ما يرضي الله سبحانه، والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- جاء برسالةٍ من أهم غاياتها إقامة شرع الله وَتنظيم حركة البشرية في الحياة بالحق وبالعدل وبالقيم الإنسانية والأخلاقية لكي لا يكون الاستعباد والاستكبار والظلم طاغياً ولكي تسود قيم العدل وَالحرية وَالأمن والسلام أُمَّـة محمد -صلوات الله عليه وآله- من وصفه الله في كتابه العزيز بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، ومن صور الخُلق العظيم الحكمة والفطرة السليمة التي تعني إدراك توحيد الله سبحانه إضافة إلى الصفات التي تكوّن معنى الإنسانية والبصيرة والرشد وكذلك إدراك ما للإنسان في هذه الحياة من رسالة وهدف.
ولذلك فَـإنَّ من الخُلق العظيم الدعوة إلى وحدانية الله وعدم الشرك به وَإقامة العدل والمساواة بين الناس ونصرة المستضعفين ومواجهة الظلم والجور والطغيان وكلّ ما يمكن أن يكون سبباً في انحراف الأُمَّــة عن الدين وعن الفطرة السليمة، وتتمثل المواجهة مع أعداء الله وَسوله في الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وبذل الغالي والنفيس؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله لتكون هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فليس من الخُلق العظيم أن تكون أُمَّـة محمد بلا منهج وبلا رسالة وبلا هدف فتكون ذليلة مستكينة يسودها الشتات والفُرقة والصراع بل تتجلى صور الخُلق في إنسانية وخيرية أبناء الأُمَّــة واستقامتهم وعزتهم وكرامتهم وعدم خضوعهم لأحدٍ سوى الله سبحانه الجدير وحده بالحمد وَالثناء والعبادة.
وبما أن رسول الله هو الأسوة الحسنة وهو المثال الحي للخُلق العظيم وَالاقتدَاء فيجب أن ندرك أنه -صلوات الله عليه وآله- أرسل إلى البشرية جمعاء ليحقّق أهداف الرسالة ليكون البوصلة التي ترشد وتهدي وتُنجي وليكون -صلوات الله عليه- مجاهداً متحَرّكاً مواجهاً لقوى الظلم والطغيان التي تحمل راية الباطل في كُـلّ عصرٍ وزمان، والآيات الكريمات التي تتحدث عن الجهاد كثيرة وبالذات ما اتصل منها برسول الله في سياقٍ واحد لندرك أن تحقيق هدف الرسالة ليست في أن يكون الإنسان المسلم مؤدياً لصلاته حبيساً في المسجد فقط، يقول سبحانه: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”، ويقول في آيةٍ أُخرى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ..”.
ولذلك فالأسمى والأجلّ والمعيار هو الجهاد في سبيل الله تحقيقاً لأهداف جميع رسالات الأنبياء التي حكت في قَصصها ومضامينها صور كثيرة معبّرة عن مواجهتهم لأرباب الطغيان وَالكفر والنفاق فلا يكاد يُذكر الجهاد إلا ويُذكر معه رسول الله قائداً ومرابطاً وفارساً، فالآيات في قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ”..
“فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ..”.
“لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ”.
“فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا”.
“لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ”..
وغيرها الكثير من الآيات التي ذكرت الجهاد وارتباطه برسول الله ارتباطاً مباشراً، وبالتالي فَـإنَّنا معنيون ونحن في مرحلةٍ نواجه فيها أعداء الله ورسوله بأن نجعل رسول الله أسوةً في سيرته وجهاده وتحَرّكه وصبره وبالذات ونحن نعيش حصاراً وأزمة إنسانية وموقفاً يستدعي من الجميع الصبر وَالنفير والجهاد، ومن الطبيعي جِـدًّا أن يلازم الجهاد في سبيل الله الصبر والثبات والتحمّل والتضحية وحبس النفس على ما يشق عليها، كما يتحدث القرآن الكريم في آياته عن قيمةٍ أخلاقية عظيمة اتسم بها رسول الله وهي صبر وثبات رسول الله وتحمله مشاق تبليغ الرسالة فالآيات في قوله سبحانه:
“فَاصْبِرْ، إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ”.
“وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ”.
“فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ”.
وغيرها الكثير من الآيات تتحدث عن صبر رسول الله وَتؤكّـد لنا وتحثنا على أن نستلهم من رسول الله الأسوة الحسنة أسمى المناقب والشمائل الصبر والثبات في سبيل الله لما للصابرين من فوزٍ وبشرى وأجرٍ عظيم وللمتأسي برسول الله في البأساء والضراء والزلازل والمحن الخُلق العظيم الذي يترجم معاني الكمال الإيمَـاني بكل ما يحمله من مبادئ وقيم ومُثل وسيرة محمودة تؤكّـد السير على خط ومنهج رسول الله نفيراً وَجهاداً وصبراً وثباتاً..
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطاهرين.
في الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:08:49 م