|
لا نكاد نجد كلمةً أو محاضرةً لسيد الثورة أبي جبريل أيده الله، خاليةً من التأكيد على ضرورة الانطلاقة في ميادين التوعية والتعبئة والتثقيف من منطلق الالتزام الإيماني، الذي لا بد من المداومة على الترقي فيه حتى بلوغ درجة الكمال، وذلك من خلال الحرص على التفهم لهدى الله، وعدم الانفصال عنه بقليلٍ أو كثير، حتى تصير كل تحركاتنا العملية، وأداءاتنا الفكرية والسلوكية انعكاساً لمستوى ما يتركه هذا الهدى في نفوسنا من آثار عظيمة، باتت هي العنوان الذي يبني إرادتنا وفكرنا، والبعد الذي تحتكم إليه مواقفنا، والبوصلة التي تحدد وجهتنا، وذلك لأن من أهم ما سيحصل عليه العاملون في هذه الميادين هو:
1. الهداية من الله سبحانه وتعالى، إلى الطريقة الصحيحة، والأسلوب الأمثل في كل ما يودون طرحه من أفكار، أو يقومون بتصحيحه من مفاهيم وثقافات، أو يسعون لتناوله من قضايا وأحداث، أو يقفون للتصدي له من بلبلة وأكاذيب وإشاعات مغرضة، تستهدف وعي المجتمع، لإحداث اختلالات في الوسط الصامد، كمقدمة لتفكيكه إلى عدة جهات وكيانات متناحرة ومتباغضة، بعد أن كانت تسودها الألفة والوحدة والتعاون والتماسك، فهم قبل أن يعملوا شيئاً تجاه ذلك كله يتجهون إلى الله، تماماً كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام، من ذلك دعاء نبي الله موسى: «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي». لأن القضية قضية دين ورسالة، لا مجال فيها للركون إلى النفس، والاستجابة للانفعال العاطفي، والاندفاع وراء الرغبة الشخصية أو المزاج، المهم يا رب هو: أن تمنحني السكينة والرشاد، وتعينني بالتسديد والتيسير، وتمنحني القدرة البيانية التي أستطيع من خلالها إيصال دعوتك إلى الناس، بالمستوى الذي يحقق لديهم الفهم الكامل، بحيث لا يبقى هنالك أي شبهة أو لبس عندهم، ولا يظل لدي أي دافع أو غريزة يجعلانني لا أعمل على ألا أزن أفكاري بميزان الرشد، ولا أطبع كلماتي بطابع الحكمة، ولا أتجه لفهم الواقع لأعلم ما الذي يحتاجه، وأتمكن من معرفة نفسية المخاطب كي أختار أسلوبي وطريقتي في الحديث معه بالشكل الذي سيقربه من الحق، وأتجنب كل ما سيدفعه للنفور منه.
2. إن العنوان الذي يحكم حركة الإعلامي والتوعوي والتعبوي والكاتب والمثقف والأديب في هذه المسيرة هو: الجندية لله، لكونه انتمى بقلبه ولسانه إلى الصف المستجيب لنداء الله، حين قال: «كونوا أنصار الله». وبالتالي فهو دائماً حريص على العمل بما يؤكد هذا الانتماء، ولا يقوم بشيء إلا بعد أن يعلم أن فيه لله رضا، ثم إن هناك معايير إلهية يحدد بموجبها أين يقف، ومن أين يبدأ، ومع مَن يتحرك، وعلى مَن سيدافع، بحيث لا يبقى هناك أي ثغرة في نفسه لعصبية قبلية أو مناطقية أو عقدية يمكن للآخرين استثمارها ليسخروه لخدمة باطلهم، وتبرير ظلمهم، كما أنه سيجد في تاريخ الرسالات الربانية التجارب الكاملة لأنبياء الله ورسله، والصالحين من عباده، بالمستوى الذي سيحقق له الوقاية من الانحراف الجزئي أو السقوط الكلي، ويبين له: أنه كما تحتاج المسيرة الإلهية للقوة المادية لتحقيق الغلبة في سوح القتال، فهي كذلك تحتاج للقوة الفكرية والفنية والثقافية والبيانية، كي تحقق الغلبة في ميدان صراع الأفكار والثقافات، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إلا البحث في كيفية الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم، بعيداً عن الشتائم والسباب وأساليب التحقير والاستهانة بالمخاطب، ومادمنا قرآنيين وفي ذكرى مولد القرآن الناطق صلوات الله عليه وآله، فلماذا لا نسعى لتحسين خطابنا الإعلامي والثقافي من خلال هذين الأساسين؟ إذ لانزال إلى الآن بعيدين كل البعد عن تمثل القرآن في ما يوجه إليه من خطوات في مجال الدعوة والتبيين والتثقيف، وكذلك عن الرسول وأهل بيته، وكيف جسدوا القرآن في الدعوة والفكر والسلوك، فاستطاعوا النهوض بمجتمعاتهم، وتركوا في ذلك ما يبني الإنسانية كلها، لو أن هنالك إرادة فعلاً لاتباعهم والولاء لهم عندنا.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 07 أكتوبر-تشرين الأول 2022 07:52:39 م