|
لدى معظم مسؤولي الدولة في بلادنا نزعةٌ شديدة في تقديس ذواتهم وأعمالهم، إلى الحد الذي يجعلهم غير مستعدين لتقبل أدنى صور النقد لأي فعل خاطئ قاموا به في مرحلةٍ ما من مراحل تحملهم للمسؤولية، أو الاعتراف بأي مظهر من مظاهر ممارساتهم السلبية تجاه فرد أو فئة أو قضية أو مؤسسة، لذلك نراهم في كل المراحل التي تسعى من خلالها القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد أبي جبريل أرواحنا له الفداء، إلى تجاوز ثقافة الماضي، والقضاء على كل ما أنتجته من مفاهيم وأفكار باطلة، ومعالجة كل ما خلفته تلك المفاهيم والأفكار من سقطات وعثرات وكوارث طالت الواقع كله، أو خلقته من اختلالات في جانب العلاقة بين الفرد والمجتمع من جهة، وبين المجتمع ومؤسسات الدولة من جهة أخرى، أو ما تسببت بتفشيه وانتشاره على أوسع نطاق من فساد ورشوة وظلم، أو لامبالاة واستهتار بالمواطن وحقوقه واحتياجاته: حريصين كل الحرص على البقاء في تبعيةٍ عمياء لثقافة ذلك الماضي، والعمل على تخليص ساحتهم من التهمة بوجود فشل أو عجز، وتبرئة أنفسهم من القصور في أي جانب من الجوانب المتعلقة بالمهام والواجبات الموكلة إليهم، الأمر الذي يحرمهم من التقدم حتى ولو خطوة واحدة إلى الأمام، أو البقاء لحظة من الزمن في صفاء ذهني من أجل المراجعة والتقييم، فيتمكنون بعدها من التعرف على مواطن النجاح والعناصر التي أسهمت بوجودها، ومواضع الفشل والعوامل التي ساعدت على بروزها، عندها فقط سيتجهون لتعزيز عناصر النجاح وتدعيمها ورفدها وتعميمها، كما سيعمدون إلى تجفيف منابع الفشل والقضاء على عوامله والأسباب التي تقف خلفه، بكل حيوية وإخلاص وتجرد من كل النزعات والأهواء والمطامع الأنانية.
إن بإمكان أي شخص اليوم، ومن خلال جولة سريعة على بعض مؤسسات الدولة خلال ساعات الدوام الرسمي أن يتوصل إلى قناعة وحيدة مفادها: أن ثمة شخصيات وكوادر وأجهزة وقطاعات لم يعد يجدي معها التعامل بالنصح والإرشاد، والتذكير بالله وباليوم الآخر، وبيان الخير والشر، لأنها بعيدة كل البعد عن مجرد الإصغاء ناهيك عن الفهم والالتزام بما ترى وتسمع، أما إذا حصل تأثر لديها في وقت معين، وموقف مخصوص، ومناسبة ما فهو التأثر الآني الذي لا يكاد يمر عليه سوى يوم وليلة إلا وقد تبخر في الهواء ولم يبق منه شيء يُذكر.
إن الأرض التي لا تملك عناصر ومقومات الخصب ستبقى مجدبة مكفهرة طاردة للحياة والجمال والخضرة وإن أجرينا عليها كل جداول وأنهار العالم، وكذلك هي القلوب، فإذا لم يكن هنالك دافع يحركها من الداخل، ويوجد فيها قابلية لأنْ تستفيد وتنمو وتهتدي وتصلح وتغير وتتغير وتبدع وتنجز وتتقدم فإنها ستبقى عاجزة عن الفعل، مشلولة عن الحركة، غائبة عن الوجود، وإن جاءها لإخراجها مما هي فيه من ضلال وتيه كل أنبياء الله ورسله، وسائر الصالحين من عباده، فحتى متى سنبقى نعول على مثل هؤلاء؟!
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 22 أكتوبر-تشرين الأول 2022 09:22:21 م