|
لا أكلف نفسي أدنى جهد في الاطلاع على ما تطفح به أقلام مراحيض العمالة والخسة والدناءة والوضاعة والسخف والانحلال، المتوزعة في أكثر من دولة من دول العدوان على يمن الإيمان والحكمة، والقابعة في الفنادق والشاليهات كأدوات رخيصة، لا تملك إلا تنفيذ ما يمليه عليها ولي نعمتها، ومالك أمرها، والمخول بانتزاع شرفها، وصاحب الحق بنيل كل ما يريد منها، حتى وإن رام تجريدها من رجولتها وإنسانيتها، فهي المنساقة لتنفيذ رغباته، والآلة المستسلمة الطيعة بين يديه، فيشكلها كما يحب ويشتهي، ويصنع من ذاتها وكيانها ذوات وكيانات ومخلوقات لا تعد ولا تُحصى، وليس ثمة فرق بين وصيفات توكل، وملك يمين الزنداني واليدومي، أو غلمان قصر الدرعية، على رأسهم «معمر صافيناز» كما يسميه أحد سادة الكلمة الحرة والصادقة، فجميعهم عبيد لأمراء البترودولار، الذين هم عبيد لدى الصهاينة والقوى الإمبريالية المستكبرة، وفوق هذا فهم قد وصلوا حد الإفلاس الأخلاقي والفكري، فلم يعد في نظري لكل ما يقولونه ويكتبون عنه أي شيء يدفعني لتضييع وقتي في الاستماع إليه أو قراءته، أضف إلى ذلك أنني أرى التردد على حائط الناقصين أو مواقعهم وقنواتهم منقصةً بحق الأحرار، إلا إذا كان ذلك التردد والاطلاع مقتصراً على ذوي القدرة على إبطال مكائدهم، وكشف زيفهم، وتعريف الجماهير بحقيقتهم، وإيقافهم عند حدهم، والانتصار للأحرار والدم والقضية، عندها يصير مثل هكذا عمل شرفا ما بعده شرف، ويحظى رواده بالمنزلة الرفيعة في قلب ووجدان كل صامد على ثرى أرضنا الطاهر المقدس.
ومع ذلك فإني لا أبالغ إذا قلت: إن طفح مراحيض الارتزاق والعمالة حالياً لم يعد يشكل خطراً على وعي العامي البسيط، ناهيك عن الجماهير الواعية والنخب المثقفة في بلدنا الحبيب، فكل ما ستراه لدى مسوخ العصر لا يعدو فوق أن يكون مثيراً للتقزز حد الغثيان، أو باعثاً على الضحك والسخرية، أو مثيراً للدهشة، وخصوصاً عندما يجد المرء نفسه أمام مشاهد واقعية لعالم من الحيوانات التي لم يسبق لأحد البشر أن شاهدها، أو وجد ما يماثلها في الصفات والأفعال حتى بين فصائل القرود المتنوعة.
وعليه: فإن الخطر الحقيقي اليوم على وعي الناس وقناعاتهم ينبع من بين ظهرانينا، عبر أقلام وكوادر محسوبة على الشعب الصامد، وداخلة ضمن التركيبة العامة لدوائر وقطاعات ومؤسسات الإعلام والثقافة والتعبئة والتوجيه، هذه الأقلام والكوادر تشكلت في فئتين مختلفتين في كل شيء، إلا أن عمل كل واحدة منهما ضروري لإنجاح عمل الأخرى، وبالتالي فعملهما أقرب ما يكون لشكل من أشكال التخادم بين طرفين، من أجل الوصول لغاية واحدة، على الرغم من تباين الأفكار والمواقف، واختلاف الدوافع والأهداف لكليهما، ولكن تبقى النتيجة واحدة، هاتان الفئتان هما:
1. فئة مخلصة في توجهها، محبة لشعبها، مؤمنة بثورتها وقضيتها، ولكنها تفتقر إلى القدرة المعرفية التي تمكنها من الإحاطة بالواقع وفهم كل مجرياته، الأمر الذي يجعلها تضيع الكثير من الوقت والجهد في الحديث عن سفاسف الأمور، وتعتبر ذلك ضمن الأولويات التي لا بد منها، مما جعل الناس يشعرون بوجود ملامح توحي أن ثمة توجها يعمل على تكرار تجربة إخوان مَن أطاع الله وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النجديتين الوهابيتين بنسخة معدلة.
2. فئة استفادت من كل هذا الغباء، وذلك عندما قامت بتوظيفه لصالحها، وبالطريقة التي تمكنها من التعبير عن نوازعها الشريرة، وتكشف مستوى ما تختزنه من حقد وكراهية للقوى الطليعية الثورية، فتسعى بكل ما لديها لإقناع الشعب اليمني أن ثورتنا وجهدنا وجهادنا وصبرنا وتضحياتنا لم تكن إلا خدمة لجماعة متحجرة منغلقة، لا صلة لها بالقرآن، ولا علاقة لها بأخلاق وقيم ومبادئ الرسالة، وإنما هدفها الملك لا سواه.
وهكذا تموت الحقيقة، ويعم ويسود ويتنامى الزيف، ويكثر الهرج والمرج، بفعل الفئتين المتخادمتين لضرب الوعي المجتمعي في مقتل، بحيث لا تقوم بعد ذلك لليمنيين قائمة.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأحد 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 08:12:09 م