المقياس لبيان المنتمي إلى سبيل الله
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
قد يستطيع أي إنسان الانضمام إلى أي تيار فكري أو سياسي أو اجتماعي بمجرد إبدائه ما يوحي بأنه صار ملماً بالرؤى والأفكار التي ينادي بها ذلك التيار، واعياً لأهدافه، ومخلصاً لمبادئه، ولو من باب الخداع أو المجاملة لرموزه، إذ لا يوجد في قرارة نفسه أي مكانة أو قيمة معنوية تشده لذلك الانتماء، وتعزز لديه الدافع الذي يجعله يختار الفناء في سبيل التيار الذي ينتمي إليه، وبهدف منحه القوة اللازمة لاستمرارية بقائه، وزيادة توسعه وانتشاره، فعلاقته به لا تكاد تتجاوز الإقرار باللسان، مع الحرص على تحصيل كل المعلومات التي تمكنه من التأثير على السامعين، وتعلي من شأنه لدى رؤسائه وقادته، وتفتح له الأبواب الموصلة لكل ما يحلم بالحصول عليه من امتيازات وترقيات ومناصب، ولن يستطيع أحد الكشف عن حقيقة ما يحمله في ضميره عن ذلك الانتماء، بحيث يمكنه بيان مدى كذبه ومغالطته وتلبيسه على جميع الذين يتشاركون معه في حمل راية ذلك التيار أو الكيان، وتبني منهجه ومشروعه بشكل عام، ليبقى بعين الجميع: ذلك المخلص المتفاني المثابر، والمحبوب والمقرب من الكل، ولكن يستحيل تحقق مثل هذا الأمر للذين أقروا بعبوديتهم لله، واختاروا الانتماء إلى دينه، وأعلنوا انضمامهم إلى مواكب العاملين في سبيله عز وجل، وقطعوا على أنفسهم العهد والميثاق بالتزام هداه، والتمسك بكتابه، وتمثل أنبيائه ورسله والصالحين من عباده كقدوات وقادة وهداة ومربين ومعلمين، لأن المقياس لبيان حقيقة الانتماء إلى سبيل الله ليس الإقرار الكلامي، ولا مقدار ما لديك من معلومات وأفكار حول هذا المسلك، ولا بمدى ألمعيتك في الاستيعاب لجميع الأهداف والغايات التي يتوخاها السائرون في هذا الدرب، أو بقدراتك الخطابية والإقناعية، ولباقتك في الحديث، أو طبيعة مظهرك الشخصي في ما يتعلق بملبسك وهندامك وغيرها، وإنما المقياس هو: العمل فقط لا غير.
فبالعمل وحده يستطيع الإنسان أياً كان أن يتبين حقيقته أو حقيقة غيره، بحيث يتمكن من معرفة: هل هو صادق في ادعائه لهذا الانتماء، أم كاذب؟ وهل فلان الذي تضج بكلماته ولقاءاته وصوره وكتاباته المواقع والقنوات صادق أم كاذب؟
ولا يخفى على أحد: أن أشد الناس مقتاً وغضباً وعذاباً وخزياً ومذلةً وخسارةً من قبل الله في الدنيا والآخرة هم المكتفون بالأقوال والتنظيرات والخطابات عن التحرك الفاعل في ميادين العمل، وساحات التحمل للمسؤولية، «كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». ولو أننا تتبعنا صفات العاملين لله الواردة في كتابه العزيز، لوجدناها جميعها لم تأتِ إلا بصيغ الأفعال، كـ:جاهدوا ويجاهدون، وأنفقوا وينفقون، واتقوا وأحسنوا واستقاموا، أو بصيغ الجمل الاسمية التي تدل على التزامهم لتلك الصفات بشكل دائم، وصورة مستمرة.
أما مَن يقف عند القول ولا يتعداه إلى غيره فهو: المنافق ظاهر النفاق، وإن تمكن من الوصول إلى أعلى المقامات، واستطاع كسب الكثيرين إلى صفه، بحيث لا يخطو خطوة هنا أو هناك، ولا يقول حرفاً إلا وتلقاهما أنصاره بكل شغف، جاعلين له بمستوى الأنبياء والشهداء والصالحين، في ما يضيفونه إليه من مكرمات، ويلصقون به من مزايا وسمات، ويدعون له من فضائل ومناقب، فلن يغير ذلك من حقيقته النفاقية شيئاً، لا عند الله، ولا عند الناس، ولا حتى لديه هو من وعي ومعرفة بنفسه وقناعاته.
هذا جانب، وأما الجانب الآخر فهو: أن الواقع لا تنقصه التنظيرات، بقدر ما تنقصه الأفعال التي يلمس من خلالها صدق وعظمة وقيمة ما ندعوه لالتزامه من أفكار، فكثيرون هم الذين قالوا، وكتبوا، ونادوا بأن ما لديهم هو الحق، وفيه الخير والنجاة، ولكنهم سرعان ما سقطوا، وانتهوا، وماتوا وماتت مشاريعهم ودعواتهم، من هنا جاء قول أمير البيان عليه السلام، لكل العاملين في سبيل الله: كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم.
 

* نقلا عن : لا ميديا


في الأحد 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 09:05:33 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=6342