|
يستطيع الممسك بزمام السلطة في أي بلد أن يفرض على مجتمعه ما يشاء من نظم وقوانين وأفكار، نتيجة ما توفره له مكانته في السلطة من إمكانات تتيح له بسط نفوذه، وفرض إرادته على الجميع، فمَن لم تنفع معه أساليب الترغيب وطرق الوداعة واللين، ستنفع معه أساليب التخويف والتهديد والترهيب، وسيخضع مكرهاً وراغماً لمشيئة السيف، ولكن هذا الحال وإنْ بدا لذلك الحاكم طبيعياً، وباعثاً على السعادة والراح، وموحياً له بالمزيد من الزهو والعظمة، لن يدوم ولن يستمر طويلاً، إذ بمجرد أن تضعف قبضته الحديدية قليلاً، أو يواجه ظروفا وتحديات في المستقبل يكون لها أثر في اهتزاز هيبته، وتراجع نفوذه وهيمنته، فإن الجميع سينقلبون عليه، ويعملون على طمس ذكره بينهم، ومحو آثاره كلها من واقع حياتهم وأفكارهم، وما هي إلا فترة زمنية ويجد نفسه مذموماً ملعوناً على كل لسان، بعد أن كان الزعيم المفدى، والقائد المغوار طوعاً أو كرهاً.
وهنا قد يتساءل القارئ الكريم: لماذا الإتيان بهكذا مقدمة، لاسيما ومسكوتاتك تكون على الأغلب متعلقة بواقعنا المحلي؟ ونحن بحمد الله نتنفس روح ثورة نابعة من صميم ديننا، ومعبرة عن قيمنا وأخلاقنا، ومجسدة لهويتنا، ناهيك عن أنها امتداد لرسالة ومشروع الأنبياء والرسل عليهم السلام، وخلاصة ما أنتجته الشجرة المباركة التي غرسها الإمام الحسين يوم الطف، وسقاها بدمه الطاهر، فظلت حيةً معطاءة، قوية ثابتة ضاربةً بجذورها في أعماق الأرض، بالغةً بأفنانها عنان السماء، ولما أجمع الباطل أمره على اجتثاثها، ليمنع عنا خيرها، تلقاها الحسين البدر كأمانة من جده، فحفظها بدمه ومدها بروحه ولسانه وفكره، إلى أن استظللنا بظلها، وذقنا شيئاً من ثمرها الطيب، وإذن فليس في ثورتنا وجود للملوك والمتسلطين، فغاية بنيها هي: الإصلاح في أمة الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، من خلال إعادة الاعتبار للدين كله، وإقامة الحياة وواقع الناس وفق ما أراد الله، وأمر به في كتابه العزيز، وهذا صحيحٌ لا شك فيه، وحقٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، ولكننا عزيزي القارئ: بتنا اليوم وجهاً لوجه، مع أشخاص أنستهم مواقع السلطة ومباهجها مضامين المنهجية الرسالية والثورية وأخلاقياتها، شخصيات لا تريد أن تبذل جهداً مضاعفاً في إعادة الناس إلى جادة الصواب، بعد أن فقدوا الثقة بكل المعتقدات الدينية، نتيجة ما عايشوه من أعمال وتوجهات قامت بها حركات وأحزاب وجماعات قدمت نفسها باسم الدين، بالإضافة إلى ما أنتجته قوى الاستكبار من ثقافات تشربها معظم أبناء المجتمع الإسلامي، وأصبحت هي العين التي من خلالها ينظرون إلى الأشياء، والمرجعية التي يحتكمون إليها في سائر أحوالهم، والأصل الذي من حقه أن يحدد لهم الصواب من الخطأ، والصحيح من الفاسد.
وهذا الأمر يتطلب السير بحذر، والعمل بوعي وحكمة، ما لم فستنفجر بنا أول الحقول المزروعة بالألغام، فينتهي كل شيء، وما أشد جريمة الذين يعتقدون بأنهم يمثلون الحق، وهم يتصرفون بطرق وأساليب أهل الباطل في سلوكهم وأنشطتهم وأفكارهم! وما أجرأهم على الله حين يعتبرون أنفسهم من جنده وأنصار دينه ولا يقبلون الأخذ والرد حيال ما يشرعون من نظم، ويضعون من محددات وموجهات، معتبرين أي اقتراح بالتعديل أو الحذف أو الزيادة كفراً بالدين، ومجاهرةً بالفسق والضلال! وفوق هذا يدعون أنهم يمثلون المشروع القرآني! ولكن هيهات، فما أبعدهم عن دعواهم تلك! إذ لو أنهم وقفوا يوماً على قوله تعالى: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين» لكان لإيحائها أثر في أطروحاتهم وسلوكهم في الحوارات والنقاشات، وطبيعة تعاطيهم مع النقد البناء، ولا شك أن القرآن كل لا يتجزأ، فالغفلة عن شيء من آدابه وأحكامه كالغفلة عنه بشكل عام.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 06:53:22 م