|
طوفانٌ من الشك والتردد، يساورك كلما أعملت النظر في ما ومن حولك، وخصوصاً أولئك الذين زاغوا عن جادة الصواب، لما وجدوا من يغمرهم بالمديح والإطراء في جميع الأحوال، ويقابلهم بحسن الثناء لقاء ما فعلوه سلباً كان أو إيجاباً، حقاً أو باطلاً، صلاحاً وإصلاحاً لواقع الناس ولأنفسهم، أو دماراً وفساداً في الأرض، وإفساداً للنفوس والأفكار والنظم والأخلاق، فلا يعودون يرون القصور داخلاً في أنشطتهم العملية والسلوكية والفكرية والإدارية، لا من بعيد ولا من قريب، وبالتالي تتنامى حالة الشعور بالزهو، نتيجة تعاظم الإحساس ببلوغ درجة الكمال المطلق، الذي لا مجال فيه لمجرد التنبيه ولو عن طريق التلميح والإيحاء بوجود خطأ هنا، أو خلل ونقصٍ هناك، الأمر الذي يجعل كل الحريصين على سلامة النهج واستقامة الخط ونظافة الوسائل بما يتناسب مع طهارة الغايات وسمو الهدف معرضين لأبشع أنواع التهم، ومهددين بأقسى صنوف العذاب المادي والمعنوي، وأحدث وأشد صور المحو والتنكيل والبطش، إذ يتجهون للمساس بشيءٍ من الأركان التي يقوم عليها بناء عالم الزائغين الجديد.
وهو عالمٌ قائمٌ على عدة أركان، تنوعت مكوناتها بين: نزعة الفرعنة، وأساليب ومكر الشيطنة، ومظاهر الزهد والرهبنة، عالمٌ حدوده الفكرية والعملية لا تقف عند مرجعية واحدة كإبليس مثلاً، ولا تتوقف مظاهر الإعراض لدى سكان هذا العالم عن الله بوجود صورة من صور الشرك القديم أو الجديد، إذ لا وجود لأبي سفيان أو أبي جهل كظاهرة تتجه لعبادة حجر، وترتكب الفواحش، وتمارس الظلم والسلب والنهب في سبيل المزيد من الثراء والعلو الطبقي، وإنما ستجد أبا جهل وأبا سفيان قد اتحدا مع هبل واللات والعزى، مشكلين بهذا الاتحاد نفوساً ترى أنها منبع التكوين والخلق للوجود، والمقام المستحق للعبادة ولطاعة من كل الناس، والذوات المنزهة عن النقص أو الغفلة أو الجهل، كل ذلك بسبب الذين يتقدمون لهؤلاء بكيل المدائح من دون حساب، ويمعنون في التذلل لمادحيهم، إلى درجة الصغار والتلاشي التام لذواتهم وكرامتهم أمام أولئك، وشيئاً فشيئاً ينسى الممدوح نفسه ومنهجه ومهمته في الحياة، والرسالة التي يجب عليه أن يحملها إلى الناس، إلى أن يجعل من نفسه القطب والمحور الذي على الكل أن ينطلقوا منه ليدوروا حوله، ويعودوا إليه بعد ذلك.
وقد صدق الإمام أمير المؤمنين عليٌ بن أبي طالبٍ عليهما السلام، حين قال: «لا يمشينَّ الماشي مع الراكب، فإن في ذلك مفسدةٌ للراكب، ومذلةٌ للماشي». هذا في حق من يشيع راكباً على فرسٍ أو سيارةٍ سيراً على قدميه، فما بالك في من يسيرون مع أصحاب الفخامة والمعالي زحفاً على بطونهم، باذلين قصارى جهدهم لترويض عامة الناس وخاصتهم، لكي يصبحوا مركباً سهل الامتطاء لكل مسؤول سواءً صغر هذا المسؤول أم كبر؟!
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 07:05:14 م