|
ما كشفته القناة “الإسرائيلية” الناطقة باللغة العربية “24 I News”، عن موقف سعودي متقدم يمهد للتطبيع مع “الكيان الصهيوني”، وينتظر اللحظة التي يصل فيها بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الصهيونية الجديدة المرتقبة، وإعراب دولة البحرين عن تأييدها الكامل لحكومة اليمين الصهيونية المتطرف، يعكس استمرار حافزية الأنظمة العربية وحماسها تجاه الإصرار على الهرولة نحو مائدة التطبيع مع “العدو الاسرائيلي”، وصمّ الأذنين وغمض العينين في آن واحد تجاه الإرهاب الصهيوني المتواصل بحق الشعب الفلسطيني.
مثل هذا السلوك من الأنظمة العربية يؤكد أنها ما زالت تتجاهل إرادة شعوبها، ولا تعير أي اهتمام لمعاناة الفلسطينيين وقضيتهم، بالرغم من حالة العداء العميقة “للإسرائيليين” من قبل الشعوب العربية التي ظهرت خلال مونديال قطر هذا العام.
سر الحماس السعودي بعودة بنيامين نتنياهو ليس مقتصراً على قضية التطبيع فحسب، بل هناك سر آخر نابع من إدراك السعودية حالة العداء التي تتبناها الحكومة اليمينية الصهيونية القادمة بزعامة نتنياهو ونصبها العداء الكبير لإيران، ناهيك بالسياسة التهديدية التي ستشكلها هذه الحكومة تجاه طهران في المنطقة، وفق تقديرات دول خليجية ومواقفها.
تطور العلاقات السعودية- الإسرائيلية خلال السنوات الماضية بات واضحاً، وعلى الرغم من نفي المسؤولين السعوديين أو إنكاره بين الحين والآخر، فإن سياقاً تاريخياً تراكمياً من الوقائع يؤكد ذلك، ولا يمكن تجاهله، وأبرز تلك الوقائع الاعتراف الحديث لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، بأن “الكيان الصهيوني” بمنزلة شريك محتمل للسعودية.
هذا ينسجم تماماً مع ما أصدره معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة “تل أبيب” في آب/ أغسطس الماضي، أن “إسرائيل” موجودة في مرتبة متدنية جداً في سلم التهديدات السعودي، كما أن السعودية لا تنظر إلى “الكيان الصهيوني” كتهديد لها، أما على الجانب الآخر فيؤكد التقرير نفسه صحة سردية سر الحماس السعودي الكبيرة لعودة نتنياهو، ويوصي بأهمية بالغة للحفاظ على الجبهة السياسية والأمنية الإقليمية التي تعدّ السعودية جزءاً أساسياً منها للعمل ضد إيران.
إصرار الأنظمة العربية والخليجية على السلوك التطبيعي ذاته، بالرغم من مشاهد الرفض العربية الواسعة والكبيرة لمفهوم التطبيع والتعايش مع “الكيان الصهيوني” كدولة طبيعية في المنطقة، والذي بدا واضحاً جلياً في مونديال كأس العالم، إلى درجة جعلهم يصفون المونديال بـ”مونديال الكراهية”، يعكس حالة الفشل الذريع في كيّ وعي الشعوب، وتمرير مشروع التطبيع على مستوى الشعوب المختلفة، على عكس ما كان يروّج له بنيامين نتنياهو بجهوزية شعوب المنطقة للتطبيع مع “العدو الإسرائيلي”.
من الدلالات المهمة التي أسجلها، أن مشروع ما سمّوه بــــ”الدين الإبراهيمي”، والذي وظفوه كمطية للتطبيع ومحاربة الإسلام وإسقاط الأخلاق قد فشل فشلاً ذريعاً في اختراق الشعوب، وأن إدراج كلمة الدين في مشروع التطبيع لم يحقق مراده، ولم يكتب له النجاح على نطاق شعوب المنطقة كافة.
ثمة مخطط جديد ستعمل عليه مجموعة من الأطراف الدولية ومعها “الكيان الصهيوني”، تزامناً مع عودة بنيامين نتنياهو إلى صدارة المشهد “الإسرائيلي” مرة أخرى، يهدف إلى توسيع دائرة حدود التطبيع، ولكن بشكل آخر وجديد، لتغيير ما سمّوه “الدين الإبراهيمي” إلى مشروع “السلام الإبراهيمي”، وقد جعله نتنياهو من أهم أهدافه خلال المرحلة المقبلة.
بشكل أعمق وحتى تكون الصورة جلية أكثر، إن ما سمّي بمشروع اتفاقيات أبراهام، من حيث التخطيط، فهو تخطيط صهيوني ماسوني، أما من حيث الأهداف فله أشكاله المعروفة، التطبيع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكلها خطيرة على المجتمعات العربية، ومن أبرز أهدافه بيع قضية فلسطين، وتدمير الأخلاق في المجتمعات العربية والإسلامية عبر الشذوذ، ومحاربة الإسلام ورموزه، وتدمير دول الحضارة في المنطقة، بل خططت “إسرائيل” لأكثر من ذلك لتحقيق مرادها من وراء مشروع التطبيع، كالاختراقات الدينية والثقافية والرياضية والتربوية والتعليمية لضمان التطبيع الاجتماعي، وإضفاء شرعية شعوب المنطقة على احتلالها، لكنها فشلت.
ينسجم المفهوم والأهداف تماماً مع ما صرح به رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابــق،جيمــس وولســي، قبل ستة عشر عاماً عندما قال: “سنضع لهم إسلاماً يناسبنا”، بمعنى أدق هم يريدون من وراء مشروع الدين الإبراهيمي الذي جاؤوا فيه بغطاء دعوات التسامح، تدشين مرحلة جديدة في المنطقة من خلال تفتيت ما تبقى من الهوية العربية والإسلامية، ودمج “إسرائيل” في المنطقة العربية، عبر تمييع الهوية الدينية وإضعاف بنية الشعوب حتى تكون حالة الاندماج مجتمعة في كل المجالات.
استراتيجياً، مشروع التطبيع أخطر من كل المشاريع التي يمكن استحضارها، كمشروع وعد “بلفور” و”سايكس بيكو” واتفاقية “كامب ديفيد”، أو حتى ما سمّي “الربيع العربي”، فهو يهدف إلى إعادة رسم المنطقة من جديد بتغيير عقيدتها وفق منهجية تهميش الأديان ومسخ الهوية العربية الإسلامية، وهذا ما سعت وتسعى إليه دول التطبيع وحليفتها “الكيان الصهيوني” جنباً إلى جنب، بغرض أن تبقى دولاً ضعيفة متناحرة منهارة أخلاقياً وعقائدياً حتى يسهل السيطرة عليها ويتم نهب خيراتها، ثم القضاء على ما تبقى من مقاومة ورفض شعبي لوجود “الاحتلال الإسرائيلي”.
ستسعى “إسرائيل” بكل ثقلها السياسي ومع عودة نتنياهو إلى المشهد، وبعد عزلتها في المونديال بشكل خاص لمحاولة إحياء مسار التطبيع، وقد يتزايد التشجيع الصهيوني في الفترة القادمة للأطراف العربية على ذلك، لكن في المحصلة وأمام هذا المخطط الخطير على تركيبة الأمة العربية والإسلامية، سيبقى وعي الشعوب وإدراكها بمنزلة الركيزة الأساسية في نجاح هذا المخطط أو فشله، على قاعدة راسخة أن فلسطين قضية شرعية وأخلاقية وإنسانية، ليست قضية الفلسطيني وحده بل قضية كل حر وشريف مهما تخلت دول خليجية وعربية عنها، قضية ما زالت تعيش في الوجدان العربي وتُخيّب مساعي كل من يريد أن يحرف البوصلة بعيداً عن العدو الحقيقي “إسرائيل”.
- المصدر: الميادين نت
- نقلا عن : السياسية
- تم نقل المقال بتصرف في بعض الالفاظ
في الثلاثاء 20 ديسمبر-كانون الأول 2022 08:57:24 م