|
التفاهة والتافهون بضاعة الاستكبار، نعم؛ ولكنكم مَن عزز دورها، وأسهم في صنع الكثير من منصاتها وقنواتها وشخصياتها ورموزها؛ إذ عملتم يوماً على جمع أكبر قدرٍ من المهرجين والسفهاء وبذيئي اللسان، تحت ما كان يُعرف باسم: الإعلام الموازي، الذي تولت الإشراف عليه ودعمه ورعايته مادياً ومعنوياً جهة سيادية في قطاع الدولة، وصرفت على حملة هذه التسمية مبالغ مهولة، حيث تصل نسبة ما كان يتقاضاه هؤلاء من مخصص مالي شهري كمستحقات: ثلاثمائة ألف ريال يمني للفرد الواحد على أقل تقدير، في حين كان الكثير من الواعين والمثقفين الأحرار لا يقدرون على توفير أبسط لوازم العيش الكريم لهم ولأسرهم، ولو بالحد الأدنى، فهناك من أصابه الجنون، وتفككت عائلته، وحُكم على صغاره بالضياع والتشرد، بينما كان العذري، والبقري، والصلاحي، والأملحي، والمرفلي، والهوشلي، والمخبلي... في بحبوحة الراحة والهناء والعيش الرغيد. ولم تكتفوا بهذا، بل لقد منحتم بعضهم قنوات فضائية، طمعاً لكسب ودهم، وضماناً لتسخير ألسنتهم لمصلحة بعض ذوي النفوذ والقوة، وذاك معلومٌ للجميع.
لقد ناشدكم أكثر من مرة الأحرار من الكتاب والإعلاميين عبر قنوات ووسائط وأدوات ووسائل رسمية وشعبية، الالتفات إلى مظلومية فلان، والعمل على إنصاف علان، وحل مشكلة فلتان... فكنتم لا تلقون لمناشداتهم بالاً، ولا تعطون لإثاراتهم اعتباراً؛ ولكن ما إن يقصد المظلوم، أو صاحب الحق، أو المعتدى عليه، أولئك المهرجين، الذين يقومون بمخاطبتكم بتلك اللغة التي سرعان ما تستجيبون لما تحتويه، فور بلوغها مسامعكم، الأمر الذي زاد شعبيتهم، ورفع شأنهم لدى عامة الناس، وبات همّ كل مظلوم هو: كيف يصل إلى اليوتيوبر الفلاني الذي سيوصل قضيته إلى المعنيين، ويكون له الفضل في تحقق إنصافه، واستعادة حقه، والاقتصاص له من ظالميه!! من هنا فقد الإعلام الرسمي مكانته، وبات الكاتب الحر والمثقف الواعي والمفكر الملتزم قضايا أمته ودينه ومجتمعه بنظر السواد الأعظم لا يساوي قطرة مداد دوّن بها حرفاً أو كلمة هنا أو هناك. وأنتم السبب الوحيد الذي يقف وراء تكون هذه القناعة، وتعميمها كطابع عام في الذهنية المجتمعية.
إن لدى بعض الكتاب والناشطين إحساساً بهذه القضية أكثر منكم بكثير، إحساساً باعثاً على الوعي الذي يتناولها كظاهرة، يحددون أسبابها، ويشخصون عللها، ويقدمون الدواء الناجع لها، فهناك مَن يرى في بعض صناع المحتوى موهبةً فنية لم تجد مَن يوظفها ويحتويها، فلجأت للتهريج والسخافات بحثاً عن الربح المادي، بدلاً من البقاء في الفراغ القاتل؛ إذ لا يوجد توجه من قبل الدولة للاهتمام بالجانب الفني، وخصوصاً المسرح والسينما، ما خلا المسلسلات الموسمية، التي لا علاقة لها بالإبداع، ولا تمتلك أبسط معايير العمل الفني، لكونها أداة تعبير عما يريده المسؤول، لا عما يراه الأديب، ويعيشه المبدع.
أما الشيء الآخر الذي لا تدركونه فهو: تصرفاتكم الصبيانية تجاه بعض المهرجين؛ إذ تقدمون -عن جهلٍ- ما يعلي شأنهم، ويصورهم بعين الجميع كمظلومين، ويكسبهم تعاطف كل الناس. فمتى سنتعامل كدولة، بعيداً عن الأساليب التي تصغر قدرنا، وتظهرنا بعين العدو والصديق كقطاع طرق؟! ثم أليس هنالك مَن هو أولى بالتأديب من جماعة السخافات اليوتيوبية، كخالد الرويشان مثلاً، الذي قال ويقول بحق الأحرار ما لم يقل به حجر أو سواه؟! أم لأن الغيرة والحس الأمني الشاعر بوجود خطر على الجبهة الداخلية لا يتحركان إلا نحو الضعفاء، ويبقى القوي محمياً بحسب العرف والعادة، حتى وإن كان مثل هكذا سلوك مُورداً لنا موارد الهلاك، كسنة من سنن الله التي جرت على من كان قبلنا من الأمم؟! والله المستعان على ما تصفون!
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 31 ديسمبر-كانون الأول 2022 07:31:52 م