هذه حكاية السعودية في اليمن
طالب الحسني
طالب الحسني

عندما يقول رئيس حكم اليمن 33 عاما وصديق السعودية طوال هذه الفترة ، أقصد هنا الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ، أن السعودية امتعضت عندما شاهد الملك عبد الله بن عبد العزيز في الزيارة هي الوحيدة حتى الآن لملك سعودي لليمن عرضا عسكريا للجيش اليمني في محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن في العام 2000 ،أثناء استضافته لحضور الاحتفال بعيد الوحدة .

 الامتعاض الذي ذكره صالح في مقابلة له على قناة الميادين بعد أشهر فقط على العدوان على اليمن ، أتبعه صالح بالقول أنه حان كشف جزء من الحقد السعودي على اليمن ، وهي مكاشفة جريئة لا يمكن تجاهلها ، وخصوصا أن العودة للماضي إلى الماضي وحصول تسوية وصداقة بين البلدين باتت شبه مستحيله ، وعندما تظهر قوة سياسية عسكرية تختلف مع السعودية فكريا ومنهجيا وسياسيا وتجاورها ، أقصد هنا أنصار الله ، فإن هذا يعني بكل وضوح أنها لم تكن راضية عن هذا التحول ، وهي التي تعودت منذ وقت مبكر في بداية السبعينات أن تكون هي القوة الإقليمية الوحيدة التي تنفرد بالوصاية الكلية على اليمن ، ودفعت الكثير من الأموال وبنت الكثير من التحالفات من بينها مع عدد من مشائخ القبائل في تجنب هذا التحول عن طريق استخدام القوة الناعمة أحيانا ، وأحيانا اللجوء إلى ماهو أكثر عندما ” تورطت ” وهذا أمر متداول بقوة في اليمن ، باغتيال الرئيس الشيهد إبراهيم الحمدي الذي كان متاثرا بخصم السعودية اللدود الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 11 أكتوبر 1977 ، بعد ثلاثة أعوام كلها كانت متوترة مع السعودية ، صحيح أن صالح ذهب إلى تخفيف مخاوف السعودية واستتمرت صداقته معها وأجرى تسوية لملف الحدود اليمنية السعودية ورسمت هذه الحدود في نفس العام أي في العام 2000 واعتبر ذلك ترضية لها ، بعد عقود طويلة لم ترسم بسبب مخاوف كل الحكومات اليمنية المتعاقبة من السخط الشعبي وبقيت دون ترسيم منذ اتفاقية الطائف عام 1934 التي استبقت الأمر مفتوح للمفاوضات ، لكن لا يبدو أن السعودية وضعت مخاوفها جانبا بل استمرت في عزل اليمن وفرض الوصاية عليه والعمل على ابقاءه فقيرا وبحاجة إليها املا بأن تتوخى أي تحولا يجعل من اليمن قوة تخرج عن طاعتها ، ولكن هذا التحول حصل ونحن نعيش في ذروته الآن ، وأذّكر هنا أن ملف انضمام اليمن إلى دول الخليج بقي معلقا أكثر من 15 عاما ولربما أن السعودية عضت أصبع الندم كما يقال ولكن بعد فوات الاوان .

من سوء حظ السعودية في هذا البلد أن معظم الفرقاء السياسيين بما في ذلك الإخوان رغم أنهم نالوا نصيبا كبيرا من أموالها وصرفت في مشاريع حزبية مقابل جزء من الولاء والحفاظ على اليمن متقاربة معها وفي خطها الإقليمي والدولي، لم يكونوا على وفاق تام مع السعودية أو بالاحرى لم تكن تثق كثيرا بهم ، وظلت تبحث عن خط سياسي منخرط معها 100% دون أن تعثر ، واعتمدت على علاقات أقامتها مع شخصيات عسكرية وقبلية مؤثرة ولكن دون أن تكون صانعة قرار باستثناء الرئيس صالح ، حتى هذا الأخير تعاملت معه بحذر شديد وخصوصا بعد انحيازه للعراق ولصدام حسين وتأييده لاجتياح الكويت 1990 .

التحول الكبير حدث في 2011 وما بعدها ، فالسعودية لم تكن قارءة جيدة لهذا التحول ولربما أن التعامي والفوقية وخطأ التقييم جعل صناع القرار فيها ونظرا للاحداث الكثيرة التي أتت بعد ما سمي بالربيع العربي وانشغالها كثيرا بمحاولة الإطاحة بالنظام السوري ونظام معمر القذافي في ليبيا وفي المقابل مساندة نظام السيسي في مصر ، صرفهم كثيرا جدا عن رؤية التحول الحقيقي في اليمن وهذه المرة ليس في 2011 بل منذ 2012 ، فاستمرار السعودية في تجاهل انصار الله وحلفائهم ودعم حروب صغيرة ضدهم تحت عنوان مذهبي طائفي بدأت في دماج بمحافظة صعدة شمال اليمن وانتقلت إلى حجة ومن ثم عمران اجتز التاثير السعودي كليا ففي كل مرة كانت المجموعات التي تدعمها و التي بعضها سلفية وبعضها اخوان وبعضها قاعدة تتراجع عسكريا رغم التحشيد والاموال التي كانت تمدهم السعودية بها ، وغير صحيح مطلقا من يقول أن السعودية كانت تريد الإطاحة وتقزيم الاخوان المسلمين لصالح خصومها الأشداء أنصار الله . لقد تجاهلت السعودية حجم الإلتفاف الشعبي حول حركة ثورية طالبت بالاصلاح وقطع الوصاية السعودية والامريكية كليا على اليمن واستفاقت السعودية في 2014 على قوة عسكرية وسياسية مناهضة لها وأقامت تحالفات سياسية بما في ذلك حزب صالح وبنت تحالفات قبلية كبرى ، فقررت السعودية الحرب دون استرايجية في مارس 2015 وعبر التحالف العربي ، وغرقت منذ ذلك بشهادة كل المراقبين .

ماذا تريد السعودية من اليمن الآن وما الذي يمكن أن يرضيها ويحفظ ماء وجهها ؟!

بعد هذه الحرب العدوانية والتدمير الذي طال كل شيء وعجز السعودية حسم الحرب لصالحها عسكريا وسياسيا ، لا تسير الأمور ليس فقط باتجاه ما كانت لا تريده السعودية منذ نصف قرن بل إلى ما هو أبعد بكثير ، فهذه الحرب لن تستمر إلى الأبد ولا بد من نهاية ، ومن المفارقة أن هذه النهاية تتزامن مع تحول مخيف في السعودية يتوقع الكثيرون بانه لا يعود بها إلى التوازن والاستقرار بعد أن فتحت جبهات كثيرة ولم تغلق أي واحدة منها لصالحها بعد أن أشعلت المحيط بدءا بسوريا والعراق واليمن والآن ربما لبنان على هذه السكة ، أوصلت كل المسارات إلى نتائج عكسية تماما لا تخدم السعودية مستقبلا لا على المدى القريب ولا المتوسط إن بقيت دون أن تتجرع من السم الذي سقته لجيرانها .


*نقلا عن موقع رأي اليوم

في الإثنين 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 07:36:44 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=694