|
الحرب الناعمة حرب شيطانية يشتغل عليها شياطين الأنس وشياطين الجن مع بعض، كما قال الله في القرآن الكريم: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}، حرب خطيرة جدًّا ويجب أن يكتسب مجتمعنا اليمني ومجتمعنا الإسلامي بشكلٍ عام المنعة؛ حتى يتحصن منها، وحتى ينتبه منها، تستهدف الإنسان استهدافاً بكل أشكال الاستهداف داخله، وتحدث الأعداء عنها، مثلاً: هناك اليوم منهم منظرون لهذا النوع من الحروب، هناك في أمريكا كتابات، هناك مدارس، هناك أبحاث، هناك دراسات، هناك مشاريع عمل كبرى لهذا النوع من الحرب، هناك لدى الإسرائيلي كذلك وفي الغرب كذلك، يعني: هذا أمر حقيقي، نحن لا ندّعي، وهذا مصطلح هم استخدموه هم، وإلا فهي الحرب الشيطانية بكل ما تعنيه الكلمة.
مصطلح الحرب الناعمة هو مصطلح أمريكي، مصطلح غربي، مصطلح اعتمدوه هم، وترتبط به مشاريع عمل واسعة، نتحدث عن هذه الحرب باختصار أيضاً، ويهمنا أن تصبح هذه المسألة محط اهتمام لدى العلماء والمُثقفين والأكاديميين ولدى كل المتنورين والواعين، ليركزوا على هذا الموضوع، سيما ونحن في هذا الشهر ممكن أن نستفيد من هذا العنوان الرئيسي الذي هو: الحفاظ على الهوية، وتأصيل وترسيخ هذه الهوية لدى الأجيال، لنكن أوفياء كما كان آباؤنا وأجدادنا، لا ننفصل ولا ننفصم عن هذا الماضي العظيم؛ لأنه من لا ماضٍ له لا مستقبل له، الحرب الناعمة تستهدف الناس في المبادئ والمفاهيم، ولاحظوا مثلاً: عندنا اليوم في اليمن، هناك شغل كبير ومتنوع وواسع، ومن جهات كثيرة؛ لأن القطاعات الشيطانية متنوعة وواسعة، والشيطان أقسم أن يأتي للإنسان عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ومن أمامه، من كل الجهات، تحت كل العناوين تشتغل.
الحرب الناعمة ونشر المفاسد الأخلاقية
بداية هناك شكل من أشكال الحرب الناعمة يستهدفنا في الأخلاق والقيم، يسعى إلى تدنيس النفوس، لكن من أعظم ما في الإيمان وما في الإسلام هو: التزكية للنفس البشرية، والتطهير والسمو بالنفس البشرية عن الرذائل، عن الفواحش، عن الخسائس التي تدمر المجتمع، مثلاً المفاسد الأخلاقية (الفواحش) تدمر النسيج الاجتماعي، تفكك الأسرة، إذا تفككت الأسرة تفكك المجتمع.
مواقع التواصل الاجتماعي
هناك تركيز على هذا الجانب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال اختراق الجو المحافظ في المدارس والجامعات، والتأسيس لعلاقات غير سليمة، غير مشروعة، غير مستحبة لدى البعض، تدخل كثقافة، وينظر البعض إليها على أنها تمثل حضارة، إن الحضارة هي هكذا: علاقات غير مرتبطة، غير منضبطة، غير أخلاقية، روابط غير شرعية، مفاسد ورذائل…إلخ.
المنظمات
الغرب يروّج عبر بعض المنظمات، عبر الهجمة الإعلامية، الهجمة التي تأتي عن مواقع التواصل الاجتماعي، عن مواقع في الإنترنت، الهجمة الإباحية الخليعة، الشنيعة، القبيحة، الفظيعة، الشيطانية، الخطيرة، السيئة جدًّا… يأتي ليدمر كل هذا الجو الراقي في واقعنا، كل هذه المحافظة، يأتي ليُعَلم الناس الفوضى في الروابط، والفوضى في الاختلاط، والفوضى في التواصل وهكذا حتى تنشأ روابط غير شرعية.
مخاطر الحرب الناعمة.
يسعى الأعداء من خلال الحرب الناعمة، لكسر الإرادة والروح المعنوية لدينا، إشعارنا بالضعف والعجز والضعة والحقارة والاستسلام وأننا لا شيء، وتكبير قوى الطاغوت في أنفسنا وأمام أعيننا، حتى ترى في أمريكا، في إسرائيل، في عملاء أمريكا وإسرائيل من كيانات هنا وهناك شيئاً كبيراً عظيماً ومهماً، إما بنظرة الاستقواء، يعني: ترى فيهم أقوياء جدًّا، وأنت ضعيف جدًّا لا شيء، أو الاستعظام: الحضارة، القوة، العظمة، ونحو ذلك من المسميات ..|لا|، هناك المعيار الأساسي في النظرة التي يربينا عليها الإيمان ويربينا عليها الإسلام في ثقافته، في مبادئه، في أخلاقه، في قيمه، هي نظرة تنطلق من المعايير القِيَمِيَّة والأخلاقية:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ..
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
الأمم توزن بهذا الميزان: (بميزان الأخلاق والقيم)، الناس يوزنون بميزان الأخلاق والقيم، هذا الميزان الإنساني، هذا الميزان والمعيار الإلهي الذي أرادنا الله أن نزن به الآخرين وأن ننظر إلى الآخرين منه كَنَافذة نطلّ منها على واقع البشرية، القوة، المنعة، العظمة في الشعوب بقدر ما تمتلك، بقدر ما تكون حرة، عزيزة، كريمة، متمسكة بمبادئ وأخلاق وقيم عظيمة.
الإيمان هو الذي يعبئك بالروح المعنوية العالية جدًّا، تشعر بالقوة وأنك مع الله والله معك، وتعتز بقيمك ومبادئك، وتؤمن بموقفك وبعدالة قضيتك، وتكون قوياً جدًّا بهذا، ثم هو يخلصك من كل عوامل الضعف النفسية، منها ما كان ثقافياً، ومنها ما كان أيضاً نتيجة للواقع السلوكي، كل العوامل المؤثرة سلباً، التي تحطمك، تحطم شعورك، تحطم نفسيتك، يخلصك منها، والكلام عن هذا الجانب يطول ويطول، يعبئك بشعور العزة، والكرامة، والإباء، والمنعة، والثقة بالله، والاعتماد على الله، والتوكل على الله…الخ.
إفراغ الهمم
كما يعمل الأعداء ضمن الحرب الناعمة على إماتة روح الاهتمام فيك، أو صرف حالة الاهتمام نحو أشياء تافهة، يعني: لا تبقى مهتماً لشيء، طبعاً هذا يعود إلى موضوع المسؤولية الذي تحدثنا عنه سابقاً، تكون إنساناً مستهتراً في الحياة، لا شيء عندك مهم، [يا أخي يتقاتلوا، دعهم وشأنهم، يعملون ما يريدون لا شأن لي بهم ]، لا يوجد عندك اهتمام، تشاهد- مثلاً– أو تحصل في واقعك مآسٍ كبيرة، أحداث رهيبة لا تلتفت إليها، أو يصرف هذا الاهتمام إلى أشياء أخرى، عندك اهتمام كبير، أنت متوتر الأعصاب وتكاد أن تنفجر وعندك اهتمام كبير، لكن بقضية ثانوية، أو بشيء هامشي، أو بشيء جزئي، أو بشيء فرعي، تنسى ما هو أهم، غافل عما هو أكبر، لا تلتفت إليه أصلاً، الحالة التي ذكرها الله عن بني إسرائيل {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ} [البقرة: من الآية61]، صبروا أن يذبح فرعون أبناءهم وأن يستحيي نساءهم، صبروا على القهر والاستعباد والذل، صبروا على كل شيء، لكن المسألة التي قالوا إنهم: لَن يصْبِرواْ عليها قالوا: {لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ}، لا بد من البصل، ولا بد من القثاء، لا بد من الفوم، لا بد من العدس، هذه مسألة لن نسكت عنها أبداً ولن نتنازل عنها بتاتاً!! هذه روحية لدى الكثير من الناس، لن نصبر في مسائل معينة، ثانوية، جزئية، وغفلة كلياً عن القضايا الكبيرة، بارد تجاه القضايا المهمة بارد، ما عنده التفات إليها، لكن حامي وعسر إذا القضية قضية فرعية تافهة، جزئية هنا أو هناك.
هذه من الجوانب التي يركزون عليها وتساعد، في الوقت نفسه، على السيطرة على الإنسان، اللعب به، والتحكم به إذا كان منصرفاً عن القضايا المهمة، يترك للأعداء أن يتحركوا فيها كما يشاؤون ويريدون؛ فيصلون إلى حيث يريدون أن يصلوا في استعباد هذا الإنسان والسيطرة على هذا الإنسان.
المدجنون للشعب وضرورة التصدي لهم
مواجهة أيضاً لحركة الجمود التي تسعى لتجميد الشعب اليمني في ظل الوضع الراهن، بعض التيارات المحسوبة على الدين والتدين، تحاول تعظ الناس يجلسوا في البيوت وما لهم حاجة من شيء، ويتعلموا وكفى، ولا يتدخلوا في شيء، لا يسمح لهذه التيارات أن تسيطر على الساحة وأن تنتشر في الساحة لتجميد الناس؛ لأن معنى هذا تكبيل للناس، وتدجين للناس، وإخضاع للناس ليسيطر عليهم العدو بكل بساطة، من يسعى لأن يحول شعبنا إلى مزرعة دجاج، من الدواجن التي تنتظر حتى يؤتى بالسكين للذبح فهو يجني على هذا الشعب ويظلم هذا الشعب، من يسعى إلى نزع روح المسؤولية والإحساس بالمسؤولية من أبناء هذا الشعب هو ظالم، والظالمون الثقافيون، والظالمون في الحرب الناعمة لا يقلون أبداً عن أولئك المجرمين الذين قتلوا الناس بقنابلهم، من يدمرون إيمان الناس لا يقلوّن سوءاً وشراً وخطورةً عمن يقتلون الناس بقنابلهم.
الجانب الإعلامي له صلة كبيرة بهذا الموضوع، وهناك -أيضاً- على المستوى السياسي عملية تضليل كبيرة وفي كل المستويات تجاه الواقع، تجاه الأحداث، ينبغي الالتفات إليها.
لجنود هذا الميدان: هيا للمواجهة بصبر وعزيمة
على كل حال أصبح هذا العنوان (الحرب الناعمة) عنواناً رئيسياً اليوم في العالم، تشتغل عليه الدول والمكونات والقوى والفئات، يجب أن نسعى في هذا البلد ونحن نواجه العدوان في معركته العسكرية إلى التصدي ضمن هذه الحرب الناعمة لكل أشكال الاستهداف، وأن يتحرك جنود هذا الميدان في واجبهم وبمسؤولياتهم: العلماء، المثقفون، المتنورون، الواعون، الأكاديميون، في المدارس، في الجامعات… الناشطون الإعلاميون، الجميع، جنود هذا الميدان عليهم أن لا يكونوا أقل استبسالاً وأضعف صبراً من جنود الميدان العسكري، أولئك المستبسلون، الصامدون في مواجهة الطائرات والصواريخ والقنابل الذكية والراجمات الصاروخية والمدفعية الحديثة التي تعمل بالليزر، كل وسائل الفتك والتدمير وهم صامدون في مواجهتها.
أنا أناشد كل رجال ميدان الحرب الناعمة، أناشدهم بالله: لا تكونوا أضعف وأقل اهتماماً في هذا الميدان من أولئك الشرفاء والأبطال العظام والأخيار والصامدين والصابرين في الميدان العسكري، وإن كانوا هم أيضاً مستهدفين بالحرب الناعمة، لكنهم هناك في صمودهم وثباتهم العظيم، عليكم أن تكونوا أنتم صامدون في حربكم الثقافية والفكرية والإعلامية، والمنبر الإعلامي اليوم منبر مهم.
في الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2023 07:02:57 م