|
التزامك بالقرآن ثقافةً وسلوكاً وفكراً، ومنهاجاً عملياً: يحررك من العبودية للطواغيت والظالمين، ويحفظك من الوقوع في أسر العبادة لذاتك من دون الله، إذ يمنحك القوة والقدرة على إعلان موقف التمرد على كل شيءٍ يريد إخضاعك لمشيئته، وإدخالك ضمن مالكيته وسلطته، ملغياً إرادتك، ومصادراً إنسانيتك واختيارك، ومجبراً لك على التحرك في الحياة تبعاً لما يرضيه هو، سواءً كان هذا الشيء منطلقاً من الخارج، بفعل قوى فرعونية مستكبرة، أو قارونية مستأثرة متخمة، أم نابعاً من داخل نفسك، كالهوى المبني على رغبة وميل نحو التسلط والبغي، المحكوم بنزعة الكبر والاستعلاء، اللاهث وراء الإشباع لغريزة الطمع، وإطفاء ظمأ الشهوة في الحصول على كل ما في الوجود، وتسخيره لصالحك، وإذا كان التمرد على كل تلك القوى والأوثان الظاهرة والباطنة هو أولى ثمرات الالتزام، فإنه إلى جانب ذلك يمنحك الإمكانية التي تعزز لديك العزم على تبني كل المواقف العملية التي تتصدى لكل تلك القوى والنوازع والأهواء، بدءا بإعلان البراءة منها، والرفض لها، وصولاً إلى اعتماد مبدأ الدخول معها في حرب ومواجهة شاملة لا تعرف اللين، ولا تترك وسيلةً في ذلك إلا واستعملتها.
إنه النهج الوحيد الذي باستطاعته بناء ذاتك روحياً وفكرياً وأخلاقياً وعملياً، المهم أن تبدأ أنت بالخطوات المطلوبة لتحقق ذلك الالتزام، والتي يأتي في مقدمتها: الإصغاء لنداء الله، الموجه إلى جميع عباده بكل محبة ورحمة وتلطف وعطف وإحسان، بألا يقنطوا من رحمته، ولا ييأسوا من عفوه، مهما بلغ تعديهم على حدوده، ومهما كانت معاصيهم، وأياً كان ذنبهم في مستواه وحجمه، من حيث الضرر المترتب على ما نتج عنه في النفس وفي واقع الحياة.
ثم متى ما استقرت بوجدانك هذه المعاني الإلهية كقناعة راسخة، فلا بد من القيام بمقتضى التصديق بها عملياً، ووفق ما رسمه الله لك، ولتكن العودة الصادقة إليه وسيلتك لطرق بابه، مع شعورك بالندم، المصحوب بصدق الإنابة إليه، والعزم على التوبة عن كل الذنوب، وتخليص ساحتك من كل مظلمة اقترفتها بحق الآخرين، أو حقٍ انتزعته منهم، وغيبته عنهم، لأنك بإعلان التوبة قطعت صلتك بما سوى الله، وانقطعت إليه وحده، الأمر الذي يحتم عليك أن تسلم له نفسك وفكرك وحركتك ومصيرك، فيكون كل موقف تقفه، أو حركة تتحركها، أو فعل تقوم به مبنياً على ما يحدده التسليم لله، الذي يعد هو الخط العملي لكل مَن آمن به سبحانه.
ولن يتمكن من السير على هذا الخط، كما رسمه الله، دون أن ينقلب على عقبيه، أو يزل وينحرف، إلا مَن أقبل على اتباع كل ما أنزله الله في كتابه، كاملاً غير منقوص، وتعامل مع هدى الله بجدية، عارضاً نفسه وعمله على القرآن، مهما بلغ مستوى إخلاصه وتقواه، أو مستوى بلائه وتفانيه وتضحيته في سبيل ربه، إذ الكل محتاج للهداية، وملزم بتربية نفسه، ومطالب بجبر الخلل الناتج عن نسيان أو قصور أو تفريط، وإذا ما عد أحدٌ نفسه فوق القرآن، أو رأى لها عدم الحاجة إليه، فقد حكم على نفسه بالكفر، المنبثق عن التكبر على ربه، الذي يجعله مستعداً لاعتماد الكذب على الناس باسم الله، من أجل هواه، فيتسبب بتفشي الظلمات في واقع الحياة والأحياء، ولكنه لن ينجو من العاقبة هنا بالخزي، والعقاب يوم القيامة بجهنم، بوجه مسود، ونفس منكسرة حزينة ذليلة صاغرة محطمة.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 23 يناير-كانون الثاني 2023 06:44:06 م