|
في مارس 2015م، شن التحالف الأمريكي السعوديّ الإماراتي الصهيوني حرباً عسكرية.. سياسية.. ثقافية ونفسية، ضد اليمن الأرض والإنسان، كان لها من الدمار والخراب، ومن القتل والإرهاب والخنق والحصار ما لها، غير أنها لم تزد اليمنيين إلا قوةً وصلابةً.. صموداً وثباتاً.. عزماً وتحدياً، بيد أن الإنسان في المناطق المحتلّة كان هو الحلقة الأضعف، والعنصر الأكثر تضرراً من هذا العدوان على مدى السنوات السبع الماضية، ليس؛ لأَنَّهُ لم يكن مهيئاً نفسياً للتحصين الوطني الثقافي والمعرفي فحسب، بل ظل عرضةً للاستهداف الفكري وبرامج القولبة للوعي والإدراك الجمعي، والتي فشلت من إحداث أي اختراق لها في مجتمع الشمال.
حين باشر تحالف العدوان باحتلال المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرته اليوم، سواءً بصورةٍ مباشرة أَو عن طريق وكلائه من المرتزِقة المحليين، لم يقابل بأية مقاومةٍ شعبيّة أَو تحَرّك يُذكر من قبل المواطنين هناك حتى اليوم؛ كونهم تعرضوا لأبشع الحملات النفسية والدعائية الباعثة على الأمل والتفاؤل والطموح بمستقبلٍ حياتي يشابه إلى حَــدّ كبير ما يعيشهُ الإنسان في الرياض وأبو ظبي، ولحق في ركبهم الآلاف من المواطنين من مناطق الشمال، سعياً وراء ذلك الوهم المصطنع الذي صاغته الترسانة الإعلامية والدعائية للتحالف الأمريكي الأعرابي.
اليوم وجراء تلاشي ذلك الحلم الزائف والأوضاع الكارثية التي تحاصرهُ من كُـلّ اتّجاه، يعيش المواطن اليمني في المناطق المحتلّة من البلاد، حالةً من الاضطرابات الانشقاقية النفسية وبالانفصام والانفصال التام عن الواقع، لدرجة فقدان التواصل الجدي بين الأفكار والذكريات، وبين الأحوال المحيطة والأفعال والتصرفات، وُصُـولاً إلى فقدان الهُــوِيَّة الذاتية والوطنية.
وكنتيجةٍ حتميةٍ لجملةٍ من مشاريع الهندسة الاجتماعية، والخطط والبرامج التي تدرجت فيها غرف العمليات النفسية للتحالف الأمريكي الأعرابي، في استهدافها المجتمع اليمني في المناطق المحتلّة، يحاول بعض الناس الهروب من هذا الواقع المُر والمظلم، بطرقٍ لاإرادية وغير صحيةٍ أحياناً، إذ أن منابر ووسائل صناعة الوعي والإدراك الجمعي المختلفة والتابعة للمرتزِقة المحليين تقوم بدورٍ مشبوه في ترسيخ هكذا توجّـه، وعكس موجة الصدمة إلى اتّجاه مغاير.
هذا الدور المشبوه جعل الناس، وكردة فعلٍ تجاه تلك الصدمات والشروخ التي أحدثتها الوعود الكاذبة والأحلام الزائفة، والأماني السراب، يحرصون على الإبقاء على ذلك الحافز المعنوي، من خلال إبعاد مختلف الذكريات الصعبة عن الإدراك الواعي لهم، وربطهم بواقع مزيف لا يمت بواقعهم بأية صلة، حتى وإن وصل الأمر بهم إلى فقدان الذاكرة الجمعية والهُــوِيَّة الوطنية إلى الهُــوِيَّات البديلة؛ كونهم جمعياً خاضعين لبرامج غرف العمليات النفسية، التي تسير بهم نحو الاستسلام واليأس والخضوع والتأقلم التام، والقبول ومباشرة الحياة بشكلٍ ينسجم مع مشاريع وبرامج قوى التحالف والاحتلال، وأذنابها في الداخل.
وعليه.. يتحمل كافة الأحرار وحملة الأقلام وصنّاع الوعي والفكر في عموم اليمن المسؤولية الوطنية والدينية والأخلاقية في تحرير المواطن أولاً من الاحتلال الفكري والثقافي الذي يعشعش في مخيلاتهم، فثماني سنوات من الحرب والعدوان والاستهداف كفيلة بأن يكونوا على يقين أن الاحتلال لا يبني وطناً، وأن المحتلّ لا يصنع عزة ولا يحافظ على كرامة أصحاب الأرض، فلا مأرب صارت كالرياض ولا عدن كدبي ولا المكلا مثل أبو ظبي ولا المخاء كجدة.
في الخميس 26 يناير-كانون الثاني 2023 10:47:36 م