الوزير الشاعر..الصاحب بن عبّاد شاعر أهل البيت
حسن المرتضى
حسن المرتضى

 

إن للسياسة باعٌ طويل في التأثير على قلوب الناس، فهي والمال لهما تأثير السحر في أن تجعل الرجل مرتدا عن مبادئه، لكنني اليوم أمام حالة خاصة من الرجال الحقيقيين الذين لم تستطع مطامع السياسة والحكم أن تغير نهجهم ألا وهو نهج المؤمنين نهج أحباب أهل البيت عليهم السلام. إنني أقف الآن أمام وزارة ابن عبّاد، ولكن لأطلب منها الشعر لا أطلب أكثر من ذلك لا وفادة ولا مالا.

 

إذاً.. فما مدى شاعرية وزيرنا؟!

إن ابن عباد له قصائد كثيرة في حب أهل البيت وقصائد قوية منها، قصيدة لم يهتدِ لها الشعراء من محبي أهل البيت وهي نمط جديد في الشعر حيث كتب مناقب أمير المؤمنين على الأبجدية ومطلعها:

  أَلفٌ أَميرُ المُؤمِنين عَلِيُّ    باء بِهِ ركنُ اليَقينِ قَوِيُّ

تاءُ تَوى أَعدائِهِ بِحُسامِهِ     ثاءٌ ثوى حيثُ السماك مُضِيُّ

جيمٌ جَرى في خيرِ أَسباقِ العلى   حاءٌ حوى العَلياءَ وَهو صَبِيُّ

خاءٌ خَبت حسّادُهُ من خوفِهِ    دالٌ دَرى ما لَم يَحُز أَنسيُّ

ذالٌ ذُؤابَةُ مجدِهِ فَوق السُهى    راءٌ رَوِيُّ فخارِهِ علويُّ

زايٌ زَوى وَجهَ الضَلالَةِ سيفُهُ    سينٌ سَبيلُ يَقينِهِ مَرضِيُّ

شينٌ شَأى أَمَدَ المُجاري سَبقُهُ   صادٌ صِراطُ الدينِ منهُ سَوِيُّ

ضادٌ ضِياءُ شموسِهِ نورُ الوَرى   طاءٌ طَريقُ علومِهم نَبَوِيُّ

ظاءٌ ظَلامُ الشكِ عَنهُ زائِلٌ   عينٌ عَرينُ أُسودِهِ محمِيُّ

غينٌ غرارُ حسامِهِ حَتف العدى  فاءٌ فَسيحُ الراحتَينِ سخيُّ

قافٌ قَفا طرقَ النَبِيِّ المُصطَفى  كافٌ كَريمُ المُنتَمى قرشي

لامٌ لقاحُ الحَربِ مَحروس الذرى  ميمٌ مَنيعُ الجانِبَينِ تقيُّ

نونٌ نَقِيُّ الجيبِ مَرفوعُ البنا    واوٌ وَصيُّ المُصطَفى مَهدِيُّ

هاءٌ هديَّةُ رَبِّهِ لِنَبِيِّهِ   ياءٌ يُقيمُ الدينَ وَهو رضيُّ

 

التي هي من الغرر ويقول في ختامها واصفا لها وواصفا من قيلت فيه وهو الإمام علي عليه السلام:

أَهدى اِبنُ عَبّادٍ إِلَيهِ هذِهِ  غَرّاءَ لم يَفطَن لها شيعيُّ

يَرجو بِها حُسنَ الشَفاعَةِ عِندَهُ  حَسَنُ الوَلاءِ موحِّدٌ عَدليُّ

أَبرَزتُها مِثلَ العَروسِ بديهَةً   فَليَبتَدِر لِنَشيدِها الكوفِيُّ

وهذه الطريقة من الشعر ابتكرها ابن عباد وحاز السبق بها قبل ان يتفن الشعراء في العصر المملوكي بهذه الطريقة وغيرها ولكنه ابتدأ هذا الأسلوب في الإمام علي عليه السلام وفي أهل البيت..

وله قصيدة أخرى على شكل حوار بينه وبين عاذلة له متسلسل فيها بذكر مناقب الرسول الأكرم صلوات الله عليه ومناقب أهل البيت عليهم السلام يقول فيها:

قالَت أَبا القاسِم اِستَخفَفتَ بِالغَزَلِ   فَقُلتُ ما ذاكَ مِن هَمّي وَلا شُغلي

قالَت أُريدُ اِعتِذاراً مِنكَ تُظهِرُهُ  فَقُلتُ عُذراً وَما أَخشى من العَذلِ

قالَت أُلِحُّ عَلى تَكريرِ مَسأَلَتي  فَقُلتُ ما أَنا عَن رَأيي بِذي حَولِ

قالَت أُريد رَشاداً مِنكَ أَتبعُهُ  فَقُلتُ سَمعاً فَاِنَّ الرُشدَ من قِبَلي

قالَت أَبِنهُ فَاِنّي جدُّ سامِعة  فَقُلتُ كَيفَ اِجتِماع الشَيبِ وَالغَزَلِ

قالَت وَكَيفَ اِقتِضاك الشَيبُ تَركَ هَوىً  فَقُلتُ في الشَيبِ اِدناء من الأَجَلِ

قالَت فَما اِختَرتَ مِن دَينٍ تَفوزُ بِهِ فَقُلتُ اِنِّيَ شَيعي وَمعتَزلي

قالَت أَقَلَّدتَ أَم قَد دَنتَ عَن نَظرٍ    فَقُلتُ كَلّا فَاِنّي واحِد الجَدَلِ

قالَت فَكَيفَ عَرَفتَ الحَقَّ هاتِ بِهِ   فَقُلتُ بِالفِكرِ في الأَقوالِ وَالعللِ

قالَت فَهل هذِهِ الأَجسام مُحدِثَةٌ    فَقُلتُ جِدّاً وَاِن رُمتِ الدَليلَ سَلي

قالَت أُريدُ دَليلاً فيهِ مُختَصَراً     فَقُلتُ أَن لَيسَ فيها غَيرُ مُنتَقِلِ

قالَت فَهل صانِعٌ تَدعو اِلَيه أَجِب   فَقُلتُ لا بُدَّ قَولاً غَيرَ ذي مَيلِ

قالَت فَهَل مِن دَليلٍ فيهِ تذكُرُهُ    فَقُلتُ بَيت بِلا بانٍ من الخَطَلِ

قالَت فَهل هو ذو شبهٍ وَذو مَثَلٍ   فَقُلتُ قَد جَلَّ عَن شِبهٍ وَعن مَثَلِ

قالَت أَبِن لي أَجسمٌ ذاك أَم عَرَضٌ  فَقُلتُ بَل خالِقُ الجِنسَينِ فَاِنتَقِلي

قالَت وَما ضَرَّ لَو أَثبَتَّهُ جَسَداً  فَقُلتُ لا توجَدُ الأَجسامُ في الأَزَلِ

قالَت فَقُل لي أ بِالأَبصارِ نُدرِكُهُ  فَقُلتُ جَلَّ عَن الاِدراكِ بِالمُقَلِ

قالَت وَلِم ذا وَهل شَيءٌ يُغَيِّبُهُ   فَقُلتُ ما هو مَحجوبٌ فَيظهرُ لي

قالَت لَعَلَّ حِجاباً عَنكَ يَستُرُهُ  فَقُلتُ أَخبَرتِ عَن شَخصٍ وَعن طَلَلِ

قالَت فَما القَولُ في القُرآن سُقهُ لَنا  فَقُلت ذاكَ كَلامُ اللَهِ أَينَ تُلي

قالَت فَأَينَ دَليلُ الخَلقِ فيهِ أَبِن  فَقُلتُ تَركيبُهُ من أَحرُفِ الجُمَلِ

قالَت فَأَعمالُنا مَن ذا يُكَوِّنُها   فَقُلتُ نَحنُ مقالاً صِينَ عَن خَلَلِ

قالَت وَلِم لا يَكونُ اللَهُ خالِقَها  فَقُلتُ لَو كُنَّ خَلقاً لَم يَكُن عَمَلي

قالَت أَيُلزِمُ نَفساً فَوقَ طاقَتِها   فَقُلتُ حاشاهُ هذا فِعلُ ذي خَبَلِ

قالَت يَشاءُ معاصينا وَيؤثِرُها  فَقُلتُ لَو شاءَها نَخشَ من زَلَل

قالَت فَمَن صاحِبُ الدينِ الحَنيفِ أَجِب فَقُلتُ أَحمَدُ خَيرُ السادَةِ الرُسُلِ

قالَت فَهَل مُعجِز وافى الرَسولُ بِهِ  قُلتُ القرانُ وَقَد أَعيا عَلى الاولِ

قالَت فَمَن بَعدَهُ يُصفى الوَلاءُ لَهُ  قُلتُ الوَصِيُّ الَّذي أَربى عَلى زُحَل

قالَت فَهَل أَحَد في الفَضلِ يقدمُهُ  فَقُلتُ هَل هضبةٌ تَرقى عَلى جبلِ

قالَت فَمَن أَوَّلُ الأَقوامِ صَدَّقَهُ  فَقُلتُ مَن لَم يَصِر يَوماً الى هُبَلِ

قالَت فَمَن بات مِن فَوقِ الفِراشِ فدىً   فَقُلتُ أَثبَتُ خَلقِ اللَه في الوَهل

قالَت فَمن ذا الَّذي آخاه عَن مِقةٍ  فَقُلتُ مَن حازَ رَدَّ الشَمسِ في الطَفَلِ

قالَت فَمَن زُوِّجَ الزَهراءَ فاطِمَةً  فَقُلتُ أَفضَلُ من حافٍ وَمُنتَعِلِ

قالَت فَمن والِدُ السبطين اِذ فرعا  فَقُلتُ سابِقُ أَهلِ السَبقِ في مَهَلِ

قالَت فَمن فازَ في بَدرٍ بِمَفخرِها  فَقُلتُ أَضرَبُ خَلقِ اللَهِ لِلقُلَلِ

قالَت فَمن سادَ يَوم الرَوع من أُحُدٍ  فَقُلتُ مَن هالَهُم بَأساً وَلم يُهَلِ

قالَت فَمن فارِسُ الأَحزابِ يفرسُها   فَقُلتُ قاتِلُ عمرو الضَيغَم البَطَلِ   

قالَت فَخَيبرُ مَن ذا هَدَّ معقَلَها   فَقُلتُ سائِقُ أَهلِ الكُفرِ في عُقُلِ

قالَت فَيَومَ حُنَينٍ مَن بَرى وَفَرى   فَقُلتُ حاصِدُ أَهلِ الشِركِ في عَجَلِ

قالَت فَمن صاحِبُ الرايات يَحمِلُها   فَقُلتُ مَن حِيطَ عَن غُشٍّ وَعن نَغَلِ

قالَت بَراءَةُ مَن أَدّى قَوارِعَها   فَقُلتُ مَن صِينَ عَن خَتلٍ وَعن دَغَلِ

قالَت فَمن ذا دُعي لِلطَّيرِ يَأكُلُهُ   فَقُلتُ أَقرَبُ مَرضِيٍّ وَمُنتَحَلِ

قالَت فَمن راكِعٌ زَكى بِخاتِمِهِ  فَقُلتُ أَطعَنُهُم مُذ كان بِالأَسَلِ

قالَت فَفيمن أَتانا هَل أَتى شَرفاً  فقُلتُ أَبذَلُ خَلقِ اللَهِ لِلنَّفَلِ

قالَت فَمن تَلوهُ يَومَ الكَساءِ أَجِب  فَقُلتُ أَنجَبُ مَكسُوٍّ وَمُشتَمِلِ

قالَت فَمن باهلَ الطهرُ النَبِيُّ بِهِ   فَقُلتُ تاليه في حَلٍّ وَمُرتَحلِ

قالَت فَمن ذا قَسيمُ النارِ يُسهِمُها  فَقُلتُ مَن رَأيُهُ أَذكى من الشُعَلِ

قالَت فَمن شبهُ هارونٍ لِنَعرِفَهُ  فَقُلتُ مَن لَم يَحل يَوماً وَلَم يَزُلِ

قالَت فَمن ذا غَدا بابَ المَدينَةِ قُل  فَقُلتُ مَن سَأَلوهُ العِلمَ لَم يَسَلِ

قالَت فَمن سادَ في يَوم الغَديرِ أَبِن  فَقُلتُ مَن صارَ لِلاِسلامِ خَيرَ وَلي

قالَت فَمَن قاتَلَ الأَقوامَ اِذ نَكَثوا  فَقُلتُ تَفسيرُهُ في وَقعَةِ الجَمَلِ

قالَت فَمن حارَبَ الأَنجاسِ اِذ قَسَطوا   فَقُلتُ صَفّينُ تُبدي صَفحَةَ العَمَلِ

قالَت فَمن قارَعَ الأَرجاسِ اِذ مَرَقوا   فَقُلتُ مَعناهُ يَومَ النَهرَوانِ جَلي

قالَت فَمن صاحب الحَوضِ الشَريفِ غَداً   فَقُلتُ مَن بَيتُهُ في أَشرَفِ الحِلَلِ

قالَت فَمن ذا لِواءُ الحَمدِ يَحمِلُهُ   فَقُلتُ مَن لَم يَكُن في الرَوعِ بِالوَكِلِ

قالَت أَكُلُّ الَّذي قَد قُلتَ في رَجُلٍ  فَقُلتُ كُلُّ الَّذي قَد قُلتُ في رجلِ

قالَت وَمَن هو هذا المَرءُ سَمِّ لَنا  فَقُلتُ ذاكَ أَميرُ المُؤمِنينَ عَلي

قالَت مُعاوِيَةُ الطاغي أَتَلعَنُهُ  فَقُلتُ لِعنَتُهُ أَحلى مِنَ العَسَلِ

قالَت تُكَفِّرُهُ فيما أَتى وَعتا   فَقُلتُ أي والهِ السَهلِ وَالجَبَلِ

قالَت أَهلٌ لَكَ من نُظم لِنَرويهِ  فَقُلتُ اِنَّ جَوابي فيهِ حَيَّ هَلِ

قالَت فَأَملِ عَلى هذا الفَتى عَجِلاً   فَقُلتُ هذا وَلم أَلبَث وَلم أَتُلِ

قالَت أَمُبتَدِهاً في القَولِ مُرتَجِلاً  فقُلتُ ما قُلتُ شِعراً غَيرَ مُرتَجَلِ

قالَت أَتَيتَ اِبنَ عَبّادٍ بِمُعجِزَةٍ   فَقُلتُ لا تَعجَبي فَالشِعرُ من خَولي

قالَت فَهَل مُنشِدٌ تَرضى لِينشدها   قُلتُ اِبنُ صالِحٍ النَحرير يُنشَدُ لي

إن الصاحب بن عباد أيضا يحوز أسلوبا شعريا حصري عليه وفي هذه القصيدة من أولها إلى آخرها يبدأ الشطر منها بقالت والصدر في نفس البيت بقلت مما يعني السؤال وإجابته في بيت واحد من أول القصيدة حتى آخرها.. وأتى ابن عباد بصفات كثيرة ولم يوضح اسم الموصوف حتى أتى به في آخر القصيدة وهو أسلوب يعتمد على التشويق والإثارة ولكن قد يعيب النقاد على أسلوب الصاحب بن عباد أنه إنشائي بحث حيث يتخذ نسقا واحدا من أول القصيدة حتى آخرها كما حصل في القصيدتين السابقتين.

ولعل التأثير السابق للنظم في شعر الصاحب بن عباد إنما كان لطبيعة تأثره بالمنهج المعتزلي وأسلوبهم العلمي الرصين الذي لا يختلف كثيرا عن مدرسة أهل البيت التي سرعان ما أنظم الشاعر الوزير لهذه المدرسة علنا..

 ان ابن عباد نوع جديد من الشعر يختلف كثيرا عن أكثر شعراء أهل البيت اختط أسلوبا ومنهجا له يختلف عن السابقين ويضعه بين أكابرهم شعرا ويجعل من بعده من الشعراء مقلدا له ومحتذيا لنهجه.

تأثر لصاحب ابن عباد بعلم البديع والسجع والإطناب وسائر المحسنات البديعية وصانعا بذلك موسيقى داخلية للنص قد تفقده أحيانا أسلوبا الواحد الرتيب كما قرأنا في القصيدتين السابقتين والجميل في شعر الصاحب بن عباد أن كلماته ووقعها الموسيقي على الاذن سهل جدا للإنشاد وربنا جميع قصائده لو أراد منشد إنشادها لاستطاع ذلك بسهولة وبعدة ألحان أيضا وهذا ما أشار إليه هو فقد كان يضع في حسبانه قبل صياغة القصيدة أشياء كثيرة منها البديع ومنا الإنشاد ومنا التعداد للفضائل لأهلها.. ولا يسعني إلا أن أقول لأن الصاحب ابن عباد وزير الشعر والأدب عن جدارة في مدرسة آل البيت بلا منازع ولا أظن أن شاعرا زحزحه عن وزارته ...

 

* نقلا عن : المسيرة نت 


في الإثنين 30 يناير-كانون الثاني 2023 06:08:52 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=7057