|
من تابع تصريحات كوهين وزير خارجية الكيان الصهيوني عقب مقابلته لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في الخرطوم، أكُرر في الخرطوم لأنها كلمة ثقيلة على النفس وبعيدة عن الاحتمال إلى ما قبل عقدين من الزمن، لأن لاءات الخرطوم كانت لا تزال متوهجة ومعشعشة في النفوس بفعل ذلك الزخم الذي مثلته عند الإفصاح عنها، وهذا ما جعل الكيان الصهيوني يحسب لها ألف حساب، لا لشيء فقط إلا أن قيادة الصهاينة اعتقدت أن هزيمة 67م قد هدت الجانب العربي وأسقطت خياراته وهذا ما جعل الوزير كوهين يباهي باتفاقه مع الرئيس السوداني ويُعلنها صريحة على رؤوس الأشهاد بأن كلمة “لا” تحولت إلى “نعم” وهو في هذه الحالة يُكرر ما سبق أن أفصح عنه جيمس كالاهان – رئيس وزراء بريطانيا الأسبق – عندما أعلن في بداية سبعينيات القرن الماضي من الرياض أن بريطانيا ستعمل على إسقاط لاءات الخرطوم وتحويلها من “لا” إلى “نعم” في إطار مساعيها لإحلال السلام، وهنا تتضح أكثر العلاقة المشبوهة لبريطانيا مع الوجود الصهيوني، فالوزير الإسرائيلي كان في غاية السعادة وهو يعلن سقوط هذه اللاءات من الذاكرة العربية غير مدرك بأنه واهم، فالسودان العظيم وشعبه الباسل لا شك سيُطيح بهذا النظام العميل الخائن الذي أتى به البشير كي يحرف السودان عن هدفه السامي ونصرته الدائمة لقضية الشعب العربي الفلسطيني التي هي في الأساس قضية الأمة العربية والإسلامية .
كان البشير قد إنقاد لهذه النوايا وحاول ترجمة الوصفة المعدة في تل أبيب المؤيدة من أمريكا ومباركة النظامين في الرياض وأبو ظبي وراح يُقدم التنازلات تلو التنازلات ممهداً لفكرة التطبيع مقابل تجميد ملف المطالبة بمحاكمته في محكمة العدل الدولية، ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، هذا المؤشر في حد ذاته يدل على خطورة كبيرة ويكشف عن حقيقة المؤسسات الدولية التي تتباهى برعاية حقوق الإنسان وحماية الأمن والسلام الدوليين، فها هي ذي وبعد سنوات من اتهام الرجل ومجلس الأمن بعد أن وضِع السودان في خانة الدول الراعية للإرهاب كلهم تنازلوا عن الفكرة بمجرد أن أعلن البشير تنكره التام لمحور المقاومة واستعداده للسير في مضمار التطبيع، وهذا يعني أن الشبل من ذاك الأسد، وأن البرهان جاء ليكمل ما بدأه البشير دون تفويض من الشعب السوداني ولا حتى من شريكه في السقوط “حمدتي” لكنه هرول كثيراً وكشف عن سوءاته ونواياه الخبيثة من زمن مبكر منذ أن قاد القوات السودانية فيما سُمي بقوات التحالف العربي الوهمية، وشارك في العدوان الظالم على اليمن، وفي هذا دلالة واضحة على أن العلاقة تبادلية فيما يجري في الأراضي المحتلة وما يجري في اليمن وأن الفاعل هي أمريكا وبريطانيا، نفس الدول التي تتآمر على الشعب الفلسطيني، والكيان الصهيوني إحدى هذه الأدوات .
هنا لا بد من الإشارة إلى معلومة هامة، وهي أن اليمن لعبت دوراً كبيراً في إخضاع دول الخليج بزعامة السعودية لإرادة القرار العربي، فلقد وافق فيصل في مؤتمر الخرطوم على هذه اللاءات مقابل وعد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر “رحمه الله ” رفع يده عن ملف اليمن، وهكذا وافق فيصل وشد معه دول الخليج إلى الموافقة على اللاءات، كما حدث أيضاً بعد كامب ديفيد، فلقد أعلن السادات عن استعداده للتنازل عن الجزيرتين المصريتين للسعودية، فرد فيصل بأن تأييده لمقاطعة مصر مجرد فعل صوري سيزول مع الأيام، وهنا يتضح بجلاء الدور الخبيث للسعودية في إجهاض الأحلام العربية ومحاولة وأد قضية الشعب العربي الفلسطيني مُنذ أن أعلن مؤسس السعودية سيئ الصيت عبد العزيز موافقته على إحلال اليهود محل الفلسطينيين، ومن هذا يتضح من هو العدو الحقيقي للأمة ومن الذي يتآمر على قضاياها، وعلى الشعب العربي الفلسطيني أن يُدرك هذه الحقيقة وأن يوحّد كافة الجهود والإمكانيات باتجاه تحرير مكة أولاً ليتسنى له تحرير القدس، هذه حقيقة أصبحت ثابتة وراسخة في الأذهان، وإن شاء الله يتم دحض كل المؤامرات من خلال الشرفاء أبناء هذه الأمة، وليس ذلك على الله ببعيد، والله من وراء القصد. ..
في الخميس 09 فبراير-شباط 2023 05:49:34 م