|
لم يكن، في الحقيقة، يحلم في سلطة أَو يدعو إلى انقلاب أَو يعمل على إثارة قلاقل في البلاد أَو أي شيء من هذا القبيل.
فلماذا إذن قتلوه!
هل لأَنَّه صرخ:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام.
ومن منا لا يردّد دوماً عبارة (الله أكبر)؟!
من منا لا يتمنى الموت لإسرائيل ذلك الكيان العنصري الهمجي الغاصب الذي زُرع في قلب الأُمَّــة العربية في واحدة من أهم وأطهر الأماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين أيضاً؟!
من منا لا يتمنى الموت لأمريكا تلك الدولة المستكبرة والمتغطرسة نكالاً بما اقترفته وما زالت أياديها الاثمة في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال من قبل بالإضافة إلى وقوفها ودعمها الدائم واللامحدود لإسرائيل؟!
من منا لا يتمنى النصر للإسلام والمسلمين على كُـلّ أعداء هذه الرسالة السماوية المكملة والمتممة لما سبقها من الرسالات السماوية الحقة؟
أنا عن نفسي وكيمني عربيٍ مسلمٍ لم أكن أجد تحرجاً بالاعتراف بذلك لذات الأسباب سالفة الذكر طبعاً سواءً كنت يومها اتفق أَو أختلف مع (الحوثيين) أَو غير (الحوثيين)، فقد أدركت، في الحقيقة، ذلك قبل أن أعرفهم أَو أعرف الشهيد القائد أَو أسمع عنه.
هذه المشاعر ليست لدي وحدي طبعاً وإنما هي موجودة لدى كُـلّ العرب والمسلمين ليس من اليوم فحسب وإنما منذ أن سيطرت الحركة الصهيونية على فلسطين بدعم من القوى الاستعمارية والمتغطرسة الكبرى وعلى رأسها طبعاً (أمريكا) التي لا تتردّد دائماً بالاعتراف والمجاهرة والتأكيد على التزامها الكامل بحماية ودعم هذا الكيان المجرم الغاصب.
ولو أخذت في الحقيقة عينة من الناس من حقبة الخمسينيات أَو الستينيات مثلا وطرحت عليهم واحداً واحداً هذا الطرح لوجدت أن أقل واحد فيهم سيلعن (أمريكا) وَ (إسرائيل) واليوم الذي عرفهم أَو سمع عنهم فيه!
يعني مشاعر الموت (لأمريكا) والموت (لإسرائيل) ليست وليدة تلكم اللحظة وإنما هي موجودة في نفوس الناس من قبل ظهور (الشهيد القائد) أَو غيره بعقودٍ من الزمن.
ما فعله فقط الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي هو أنه جمع هذه المشاعر الناقمة على أمريكا وإسرائيل وقولبها في القالب التي هي عليها اليوم (الصرخة) ثم دعا الناس بعد ذلك إلى أن يبوحوا ويصرخوا بها كحالة طبيعية من حالات التعبئة العامة الهادفة إلى استنهاض الأُمَّــة وحثها على مواجهة الأخطار المحدقة بها.
فأين المشكلة إذاً؟!
المشكلة ليست هنا طبعاً، المشكلة بصراحة هي في أُولئك الذين ظلوا لعقود يلقون على مسامعنا هذه العبارات وإن كانت بصيغ مختلفة طبعاً ويحرضوننا على أمريكا وإسرائيل في المدارس والمساجد والمنتديات والمظاهرات كيف أنهم وبقدرة قادر قد انقلبوا عليها وأصبحوا يرون فيها تحريضاً على العنف والكراهية وعملاً منافياً لأسس التعايش والسلام أَو كما يقولون!
يا الله.. ما هذا الانفصام العجيب؟!
أين ذهبتم بشعارات، سنرمي إسرائيل في البحر، ولن نعترف بإسرائيل، وافتحوا باب الجهاد، ورفض التطبيع، واللاءات الثلاث، ومقاطعة مصر السادات، وحملات التبرع لفلسطين والقدس وَ…؟!
تلاشت وتلاشيتم بعدها!
ولما جاء الشهيد الحوثي يريد إحياء مثل تلكم الشعارات بعد إن اختزلها جميعاً في قالبٍ وشعارٍ واحدٍ هو (الصرخة) في خطوةٍ جريئةٍ دفع؛ مِن أجل البوح بها حياته ثمناً وقربانا، ثارت ثائرتكم وجن جنونكم وقلتم:
عملٌ دعائي (خميني) (إيراني) (مجوسي) رخيص الهدف منه استقطاب أكبر عدد من البسطاء والسذج واستمالتهم إلى صفوفهم في أكبر عملية خداعٍ وتضليلٍ واحتيال تمارس بحق هؤلاء الناس أَو هكذا تقول أبواقكم وناعقوكم!
طيب، مادام الأمر كذلك كما تدعون، وما دمتم ترون أنفسكم أنكم أنتم وحدكم حماة الدين وحراس العقيدة المرابطون في الثغور والسائرون على المنهج القويم والسليم، فلماذا لا تقومون أنتم أنفسكم إذنْ ولو من باب قاعدة سد الذرائع بسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء (المخادعين) وَ (المحتالين) بحسبكم وتطلقون شعاراً مماثلاً أَو صرخةً مشابهة تهدف إلى حث الناس وتحريضهم على كُـلّ من يكن لهذه الأُمَّــة العداء بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ خَاصَّة وأن مثل هذا الشعار قد لقى له استجابة واسعة ومتزايدة في أوساط كثيرٍ من الناس؟!
ألا يستحق واقع أمتنا البائس والمخزي الذي تعيشه اليوم أيها المحترمون أن تطلقوا له مثل هكذا (صرخة) ومثل هكذا (شعار)؟!
فمَا الذي يمنعكم إذن من أن تستنفروا الناس وتستنهضوا الجهود والهمم لمواجهة ما يحيق بالأمة من أخطار وكوارث؟!
ألأنكم غير معنيين بمثل هكذا أمر، أم؛ لأَنَّكم تخافون أن تؤذوا وتجرحوا مشاعر أمريكا وإسرائيل، أم ماذا يا تُرى؟!
بصراحة لقد استطاع هذا الشهيد القائد بمشروعه القرآني وشعاره هذا تعريتكم وإظهاركم على حقيقتكم وحقيقة خذلانكم ومتاجرتكم بقضايا الأُمَّــة ومدى انخراطكم في المشروع الصهيوأمريكي الخبيث والمتربص بالأمة ودينها القويم!
يكفي أن المرء يقف اليوم مذهولاً وهو يرى أي (سحرٍ) وتأثير عجيب قد أحدثه هذا الشهيد القائد وهذا الشعار الآخذ يوماً بعد يوم في الانتشار بصورة دراماتيكية متسارعة في إعادة إحياء وإظهار قضية العرب الأولى – فلسطين وإبرازها على السطح في نفوس العامة بعد أن أوشك الناس على تنحيتها جانباً تمهيداً لنسيانها بفعل الخمول المتعمد الذي أبداه من يفترض أنهم قادة وزعماء الأُمَّــة تجاه هذه القضية المحورية والمصيرية رضوخاً واستسلاماً لشروط وإملاءات سادتهم هناك من بني (الأصفر) وبني (قينقاع)!
ولهذا إذن هم قتلوه…!
لكن موت المجيد الفذّ يتبعهُ
ولادةٌ من صباها ترضع الحِقَبُ!
في السبت 18 فبراير-شباط 2023 11:25:55 م