|
من صور الإهدار للوقت والجهد معاً: التعويل على العاجزين في إحداث نهضة شاملة لكل مجالات الحياة، فنتجه إلى الدفع بهم نحو امتلاك مفاتيح العلوم، والإمساك بنواصي المعرفة، وذلك بتذليل السبل أمامهم على كل المستويات لكي يكونوا هم العماد الذي يقوم عليه البناء، والقوة التي تحقق لنا التقدم والرقي، واليد التي تُعنى بمدنا بكل ما نحتاجه لإصلاح الواقع، ظناً منا أن لا أحد بمستوى أولئك من حيث الإخلاص والولاء للمشروع والثورة ولا إمكانية لإيجاد مَن يفوقهم وعياً والتزاماً من خارج الدائرة التي تجمعهم، مهما فعلنا، لذلك كان من الطبيعي أن يصبح هؤلاء هم المعنيين بإدارة البلد، والمكلفين بتحمل المسؤولية، وفي الوقت ذاته هم الموجودون في مقاعد الدراسة الجامعية، والمتصدرون إلى ميدان الدراسات العليا، والمطالبون برسم ملامح المستقبل، ووضع الخطط والبرامج التي تسهم في حماية الحاضر.
ولكن أنّى لهم ذلك وبعضهم قد تجاوز الأربعين من عمره، وبات الطبع لديه هو الغالب للتطبع، والبعض الآخر لا يمتلك القابلية لكي يتعلم ويستفيد، حتى وإن استطاع أن يفهم التخصص الذي سيق إليه، فإنه سيبقى عاجزاً عن تمثل ذلك الفهم في حركته العملية، وثالث لا يتعامل مع المجال الذي أُلزِم بالتخصص فيه إلا من باب القضاء للوقت، وطمعاً بإرضاء من فوقه من أصحاب القرار؟
تخيل أن تجد ثمانية آلاف طالب في إحدى الجامعات يدرسون تخصصاً واحداً، وبرغم أهمية هذا التخصص، إلا أنه لم يكن له أي أثر إيجابي في قادم الأيام، لأنه فقد أهم الركائز التي لا بد منها كي يتمكن من الخروج إلى النور، وهي بالطبع، مسألة الاختيار بعناية للطالب الذي يقوم بدراسة هذا التخصص، اختيار قائم على أساس المعرفة بقدراته وقابلياته، ومدى رغبته في خوض تلك التجربة، اختيار يعول على الشباب الطموح، الذين لايزالون يعيشون حالة من الصفاء الذهني، والنقاء القلبي، والطهارة الروحية، التي بدورها ستؤهلهم لصنع المعجزات بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
إن من أهم قواعد البناء للواقع، مراعاة اختلاف الناس في أذواقهم وأفكارهم وتخصصاتهم ومواهبهم، وبالتالي توظيف هذا الاختلاف أو التنوع لخدمة الحياة الإنسانية بكل ما تمثله من سعة وعمق وامتداد، بالإضافة إلى البحث عن العنصر الجدير بأن يكون ضمن الأساس القوي للبنيان المتماسك، ولن نحصل عليه إلا متى ما أدركنا أن المنتمين للثورة منهجاً وخطاً ليسوا فقط الوزراء ونوابهم، والوكلاء ومدراء العموم، الذين لانزال نراهم كل شيء.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 13 مارس - آذار 2023 09:24:25 م