|
نمكث وحدنا على هذه الأرض المتقلبة الأجواء والأحوال والمزاج والوجهة، أرضٌ تنكرت لمعظم القابعين على ظهرها، السالكين سبلها بحثاً عن الذات والنور والحياة الكريمة، أرضٌ أدمنت الخضوع للمترفين، وهشت وبشت بوجه الخائنين والكذابين والمنافقين والمتسلقين والمزايدين والعابثين، وحلت إزار خيراتها أمام كل انتهازيٍ باغٍ طاغٍ متكبرٍ آثمٍ ظالمٍ معتدٍ أحمق صلفٍ جاهلٍ غشوم.
نعم وحدنا، النزاعون نحو ابتعاث زمن حريتها وسيادتها واستقلالها، وهي المبادرة إلى تجريدنا من الأمل المتخذ من قبلنا زاداً نقتات منه خلال رحلتنا هذه، وسلبنا كل حلمٍ اتخذناه دثاراً وملبساً يخفف عنا حرارة الألم، وبرودة الأحزان القاتلة، نعم وحدنا المفترشون في طريق سعينا لاستعادة مجدها وألقها دماءنا، والمطلقون في سمائها أرواحنا نجوماً متفجرةً بالضياء، دالةً للحائرين على الدرب الممهد السوي، وآخذةً بأيديهم إلى بر الأمان.
إن قلنا، أو كتبنا، فلا لشيء إلا لأننا آمنا بقداسة القضية، وعظمة التضحيات، وأصالة وطهارة وصدق وسمو ونبل وأهمية الثورة الشعبية المجيدة في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر، وأسلمناها القلوب والعقول والأرواح والمشاعر والأحاسيس، لكونها تمثل المعنى الحسي، والبعد الواقعي، الذي من خلاله نستطيع ترجمة معنى التسليم لله في خطه العملي، ولايزال الصراع في رحابها مستمراً بين صنفين من الناس:
صنفٌ يريدها أن تستمر كشعارات جوفاء، عديمة المحتوى، خاليةَ المضمون، إن جادت فجودها مقتصرٌ على ساكني القصور، والذين يلونهم من الوزراء والمدراء والرؤساء والوكلاء والأعيان والمشائخ والنواب والمحافظين والأمناء، وليس لسواهم سوى الشعارات الرنانة تلك، والخطب الحماسية مع كل حدث، وفي ظل قدوم أي مناسبة أو يوم وطني.
وصنفٌ يريدها أن تستمر كحركة متجددة، ومواقف قوية واضحة، لا ترضى الوقوف عند دائرة الرمادية أبداً، ولا تطلق الشعارات في الهواء، لدغدغة العواطف، وتسكين الآلام، وهي غافلة عن الجروح الواسعة النازفة العميقة، متجاهلة مدامع وأنين وعذابات البائسين والمحرومين، إن قالت لم تفعل، وإن فعلت شيئاً فلكي يقال: إنها فعلت، وقدمت وأنجزت، وكم لسحر القول من إسهام في تجميل القبيح، وتحسين صورة السيئ، وتظهير الباطل وتقديمه إلى الناس كحق لا مرية فيه!
ونحن من الصنف الأخير، العامل على جعلها ملاذاً للمحرومين، وقوةً للمستضعفين، وكرامةً وعزةً وذاتاً لمَن أراد المستغلون والظالمون والجشعون والعابثون إذلالهم واستعبادهم، واستغلال حاجاتهم، وإهدار كرامتهم.
ندري أن الطريق لايزال طويلاً مليئاً بالأخطار والتهديدات، محاطاً بالقوارض والوحوش والكلاب الضالة، ولكننا عازمون على السير فيه حتى النهاية، موطنين أنفسنا على الرضا بدفع التكاليف أيا كانت، ومهما بلغ مستوى عظمتها وحجمها، نعم، قد نجوع، ونعرى، ونعيش مرحلة زمنية طويلة من حياتنا مع فصول من المأساة والوجع، والفقد لأبسط مقومات الحياة السليمة المستقرة، والعيش الكريم، ولكننا لن نبيع ديننا وأفكارنا وذواتنا، ولن نتنازل عن قناعاتنا، ولن نداهن على حساب المساس بثوابتنا، والنيل من أسس ومسلمات ثورتنا القطعية، مقابل الحصول على كسرة خبز.
نعم، نحن نفضل الموت أعزةً، دون أن نعيش أذلة ساقطين لا كرامة لنا.
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 14 مارس - آذار 2023 12:54:46 ص