واشنطن تقفز على استحقاقات السلام وتسير عكس التيار
وديع العبسي
وديع العبسي


السفير الأمريكي ستيفن فاجن مرة أخرى في حضرموت، ويلتقي مسؤوليها التابعين لتحالف الاحتلال ويتحرك ويتحدث عما يريد بكل أريحية، ومع هذه الزيارة، لم يعد هناك من شك بأن تحركات أمريكا في المحافظات الجنوبية المحتلة، إنما تتعلق بمصالح ذاتية خالصة، لا يتدخل فيها أي من تلك العناوين التي تروج لها، على شاكلة مكافحة الإرهاب، وإحلال السلام في اليمن، حيث يحمل اهتمام وزيارة السفير الأمريكي بشكل متكرر لمحافظتي حضرموت والمهرة، تأكيد واضح «على وقوف أمريكا بصورة مباشرة خلف العدوان ضمن مشروعها للسيطرة على ثروات اليمن واستغلال موقعه الجيوسياسي في خدمة مصالح أمريكا وأهدافها، على حساب أبناء الشعب اليمني وإفقارهم وتأزيم وضعهم الإنساني وإذكاء روح الصراع بينهم».
الذي يؤكد ذلك، أن الحراك أولا: يتركز على مناطق بعينها كحضرموت والمهرة، حيث تتركز نسبة كبيرة من الثروة النفطية وحيث المطامع ذات العلاقة بالموقع ولذلك فإن لها فيهما قواعد عسكرية لا تهدف فقط لحماية مطامع أمريكا وإنما ترمي إلى تأمين الحضور العسكري الفاعل مستقبلا بما يجعل المنطقة تحت رحمتها، وبما يؤمن التحرك المريح للكيان الصهيوني.
ولهذا الغرض تدعم التحركات الأمريكية بعضها لتأكيد هذا المذهب، فأمريكا عملت على عسكرة المنطقة ومياهها بأساطيلها البحرية وحشدت ما كانت تطلق عليها تحالفات من أجل تأمين الممرات الدولية، ولا يزال حاضرا تحركها للسيطرة على باب المندب.
أما الأمر الثاني الذي يعزز حقيقة أن ظهور أمريكا في المحافظات الجنوبية يأتي من أجل مصالحها هي فقط، فهو أن ذلك يجري عادة مع بدء أي حراك من أجل إحلال السلام في اليمن وإنهاء العدوان بما يعنيه ذلك من استحقاقات تقضي بخروج القوات الأجنبية ورفع اليد عن مصادر الثروة الوطنية، ولذلك فإن الزيارة تأتي عقب تحركات ونشاط شهدته الأسابيع الماضية عقب التقارب السعودي الإيراني ومع بدء مشاورات السفير السعودي في صنعاء لإنهاء العدوان، حيث كان من تحركات الإدارة الأمريكية، إرسالها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى الرياض، ثم المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، ومن ثم تحركات عسكرية في المنطقة برزت بإعلان واشنطن نشر غواصة نووية مزودة بنحو 154 صاروخاً بالستياً من نوع توماهوك، في البحر الأحمر.
سبق ذلك وزامنه وتلاه التصريحات التي تتعمد واشنطن من خلالها تعكير أي مناخات توافق وإطلاق التهديدات الضمنية لأدواتها من جهة التحالف بخاصة النظام السعودي، ثم محاولة تصدير نفسها كراعية للسلام بينما هي راعية للعدوان بتصريحات تناقض فعلها وهو الأمر الذي بات معلوما للداخل والخارج.
تؤكد وزارة الخارجية في السياق، أن ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية حرصها على تحقيق السلام في اليمن، في حين أنها من تقف وراء معاناة الشعب اليمني، إنما يأتي في سياق محاولتها التغطية على موقفها المعيق للسلام.. وجاء في بيان للوزارة: أن أمريكا لا تريد وقف العدوان ويتضح ذلك من خلال تصريحاتها وانتقاداتها لمن يقوم بالدفاع عن نفسه، ومن خلال انحيازها الدائم للحرب وإجراءاتها مثل العدوان والحصار واحتلال الأراضي اليمنية.
هكذا كانت التحركات العملية لواشنطن تؤكد رغبة عارمة في إبقاء اليمن تحت محاولات الترويض لطاعة أمريكا والقبول بها وصية على البلاد.
لذلك وجدت أمريكا في العدوان – الذي خططت له وأشرفت عليه وعززته بالسلاح وكل أشكال الدعم اللوجستي – الفرصة المهيأة للانقضاض على مناطق الثروة وإحكام قبضتها بالتواجد العسكري، ومن هنا كان من الطبيعي أن تحرص على الظهور في أوقات التقارب.
وخلال أشهر الهدنة، كشفت أمريكا عن وجهها القبيح عندما ظهر سعيها لهدنة بلا مقابل يجنيه اليمنيون من هذه الهدنة، التي استفادت -أمريكا- منها في تأمين خطوط إمداد الطاقة من منطقة الخليج، كما كانت ولا تزال عائقا دون تحقيق المطالب الإنسانية لرغبتها باستمرار ضخ النفط والغاز لصالحها في المقام الأول.
وترغب أمريكا في سياق مخططها لتأمين مصادر النهب، الإبقاء على والوضع في البلد كما هو: حالة من اللا حرب واللا سلم بالتزامن مع انفلات الوضع الأمني في المحافظات الجنوبية بما يبقيها مرجعية لمختلف القوى المفتتة بسبب المطامع الخاصة لكل جماعة، ومظلة لأي عملية نهب وبعبعاً لأي صوت حر يطمح للاستقلال بقرار وثروة البلد.

نسخة سابقة
المشهد الذي جرت نسخته السابقة في نوفمبر من العام الماضي حين قام نفس السفير بزيارة محافظة حضرموت، عبّر عنها حينها (تحالف الأحزاب والقوى السياسية المناهضة للعدوان)، بالرفض والإدانة لمساسها بالسيادة الوطنية، وأكد تحالف الأحزاب أن الزيارة تكشف دور أمريكا في شن وتمويل العدوان والحصار على اليمن، وتحركاتها العسكرية والاستخباراتية في المناطق المحتلة من اليمن ووقوفها الواضح أمام فرص السلام، وبما يضعها أمام أبناء اليمن كعدو لا يمكن أن يؤمن جانبه ولا يتوقع منه أي مصلحة، حسب بيان التحالف الأحزاب.
على أنه كانت للسفير الأمريكي فاجن زيارات أخرى للمحافظة بعضها معلن وبعضها بكثير من التعتيم، ويمكن الإشارة إلى أنه منذ تعيينه سفيرا في اليمن في حزيران/يونيو من العام الماضي 2022، زار السفير حضرموت ثلاث مرات، الأولى كانت عقب تعيينه مباشرة، والثانية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، وبعدها بأسابيع قليلة وتحديدا بتاريخ 14 كانون الأول/ديسمبر، التقي بمحافظ المحافظة، حسب ما نشرته السفارة على صفحتها على وسائل التواصل وإن لم يوضح المنشور أين تم اللقاء؟ وهذا التعتيم اعتبره مراقبون تعزيزاً للاهتمام الأمريكي بخلق وجود مختلف له قدرات أكبر في التحكم بالمحافظة، ولذلك بات يجري الحذر من كشف الزيارات وتفاصيلها حتى لا تثير نقمة محلية من المواطنين ضدها خصوصا وأن كل اليمنيين من المواطنين يرفضون هذا التواجد الأجنبي على الأرض اليمنية، كيف والحال فيه نهب منظم للثروات وسيطرة على السواحل؟!.

مطامع قديمة جديدة
تؤكّـد التقارير أن أمريكا تتحرك في اليمن وفقاً لسياساتها المعروفة، التي تعتمد على الاستثمار في الأزمات، والتوظيف للصراعات، والاستغلال للخلافات، بما يخدم مصالحهم وأهدافهم، وبما يحقّق أجنداتهم المعروفة، حَيثُ كانت تعمل على تفكيك اليمن من الداخل، برفع مستوى التباين والانقسام السياسي، وبشكلٍ تصاعدي، وكذلك تغذية الانقسامات تحت عناوينَ مختلفة، وبأساليبَ متعددة، تجعلُ أبناءَ الشعب اليمني يفقدون الشعورَ بالهُــوِيَّة الإسلامية والروابط الأَسَاسية؛ تمهيداً للسيطرة الأمريكية والخارجية، وما يسهل عملية الاحتلال والسيطرة بشكلٍ كامل.
وتؤكد التقارير أن الزيارات المكثّـفة للوفود الأمريكية العسكرية، إلى حضرموت والمهرة تؤكد نوايا واشنطن على استمرار الاحتلال لليمن؛ خصوصا مع تحويلها بصورة مباشرة المحافظتين وكذا محافظة شبوة إلى قواعدَ مفتوحة لانتشار قوات المارينز، وَمسرح لعمليات الإنزال الجوي والبحري المنظّم الذي تديرُه الإدارة الأمريكية لنقل مجموعات من قوات مشاة البحرية والمعدات العسكرية (قوات مدرعة ومجموعة من المعدات الخَاصَّة بالتجسس والمخابرات)، وإعادة تموضعها بصورة مُستمرّة في أكثرَ من نقطة تمركز وموقع عسكري، سواء بالقواعد البرية المستحدثة والموانئ وَالمطارات وغيرها، وَأَيْـضاً وموازاة لهذه التحَرّكات؛ فَـإنَّ الاهتمامَ الأمريكي له أهدافُه وأبعادُه الخطيرةُ التي تستهدف اليمن وأمنه واستقراره ونهب ثرواته.
كما لا تغفل التقارير الكشف بأن التحَرّكات الأمريكية والبريطانية في تلك المحافظات نشطت أكثر مع تأكيد الدراسات الحديثة وجود مناطق النفط والغاز فيها وبكميات كبيرة في اليابسة والمياه، بالإضافة إلى أن الدراسات والتقارير كشفت عن وجود خزان نفطي كبير يحتوي على كميات هائلة من النفط التجاري، في تلك المناطق التي جرت عليها المسوحات، أَو تلك التي بقيت في طي الكتمان والسرية، فضلاً عن أن حضرموت تشكل خزاناً للمياه الجوفية التي يمكن أن تغطي اليمن لعشرات السنين، وكانت تلك المعلومات حصرياً لدى شركات التنقيب والمسح الجيولوجي ولدى الأنظمة الأمريكية، وهكذا عندما تبدلت أوضاع اليمن؛ تحركت أمريكا في اتجاه إعلان العدوان على اليمن.
وتذهب التقارير إلى أنَّ أمريكا حاضرة في اليمن، منذ سبعينيات القرن الماضي، حَيثُ كانت تنفذ سياستها من خلال التدخل في الشؤون الداخلية؛ ففي 86م كانت حاضرة ضمن خلية استخباراتية في صنعاء لإدارة الصراعات بين فرقاء الحزب الاشتراكي، وفي 94م منحت صالح الضوءَ الأخضرَ للدخول إلى عدن؛ كي يتم القضاء على الحزب الاشتراكي، وكذلك وجهت النظام السابق لشن الحروب الظالمة على صعدة، واغتيال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.
يؤكّـد الخبيرٌ والمحلِّلٌ العسكري اللواءُ الركن عبدالله الجفري أن التحَرُّكَ العسكريَّ الأمريكيَّ في محافظة حضرموت يأتي في سياق المؤامَرةِ الأمريكية والبريطانية والفرنسية لنهب الثروات النفطية والغازية في اليمن الغني بهذه الثروات، والذين يحاولون تمرير ذلك من خلال ما سمي بـ”مؤتمر الحوار الوطني” الذي كان من مخرجاته تقسيم البلد إلى 6 أقاليم، بما فيها إقليمُ حضرموت الذي كان يضم محافظات «المهرة وحضرموت وشبوة وسقطرى»، مُشيراً إلى أن كُـلّ هذه المحافظات غنية بالثروات النفطية والغازية والمعدنية والسمكية وغيرها من الثروات الطبيعية الأُخرى، وهذا ما يسيل له لعاب أمريكا وغيرها من هذه الدول التي سعت في الأرض فساداً، لافتاً إلى أن الأمريكيين يتحَرّكون في حضرموت، وكان لبعض المسؤولين الأمريكيين لقاءات وزيارات لبعض الأماكن بالمحافظة، فمن المعروف أن “بترومسيلة” من الشركات الأمريكية التي تنقب في هذه المنطقة.
ويشير الجفري إلى أن التحَرُّكَ الأمريكي اليوم في محافظة حضرموت يأتي في هذا السياق الذي بدأ في العام 2022م، لنهب الثروات الاقتصادية الوطنية، وما تسببت به الأزمة الدولية في شرق أُورُوبا بين روسيا وأوكرانيا، وقطع صادرات النفط والغاز الروسي إلى أُورُوبا وارتفعت الأسعار، فأصبحت أمريكا وحلفاؤها يعانون من وضعٍ اقتصاديٍ صعب، فبحثوا عن مصادر أُخرى لتعويضهم عن تلك الثروات النفطية والغازية.
فيما يرى العميد عزيز راشد -الخبير والمحلل العسكري الاستراتيجي، أن التحَرُّكَ الأمريكي اليوم تحسباً لأية مواجهة مع الصين ليكون لها مقاعد متقدمة للمواجهة على السواحل والموانئ والممرات الدولية الهامة، وأن أي تحَرّك عسكري عبر التاريخ يسبقه مطامع اقتصادية، واليمن يمتلك كُـلّ المقومات التي يطمع بها الغزاة والمحتلّون، من حَيثُ الموقع الجيوسياسي، والعسكري وتحكمها بمضيق باب المندب وبأهم الموانئ والجزر وبأكبر مخزون نفطي وغازي في المنطقة، موضحًا أنه حدثت حروب عالمية أولى وثانية بذات الأهداف والمقاصد، والعدوّ الأمريكي اليوم يبحث عن حرب ناعمة، وحرب اقتصادية في مقابل أن يخوض الحرب العسكرية الصلبة عبر عملائه ومرتزِقته من أبناء الداخل ومن الإقليم، وهذا تكمن فيه الخطورة، وهنا لا بد من استمرار الكفاح الدبلوماسي والسياسي والعسكري معاً، وَإذَا لم يفلح فلا خيار لشعبنا من العودة إلى الكفاح المسلح لإخراج الغزاة والمحلتين وأدواتهم من الأراضي اليمنية، وكل مكان يشكلون بتواجدهم فيه خطراً على واقع ومستقبل الأُمَّــة وشعوبها.

المهرة
بداية مارس الماضي وصل السفير الأمريكي إلى محافظة المهرة برفقة قائد “الأسطول الأمريكي الخامس الجنرال براد كوبر وعدد من القيادات العسكرية الأمريكية في سياق تعزيز الحضور والتواجد العسكري الاحتلال الأمريكي لحماية مصالحها، وتأكيد السيطرة على مصادر الثروة».
طبعا كانت الذريعة حينها كالمعتاد “مكافحة التهريب” ومواجهة الأخطار المحتملة للإرهاب، إلا أن مراقبين ربطوا بين مهام الأسطول الخامس والمطامع التي تقف وراء احتلال المهرة، مثل تمرير أنبوب نقل النفط السعوديّ، وهو من الأهداف التي أكّـدت تقاريرُ صحفيةٌ أمريكية مؤخّراً أن واشنطن والرياض تعملان جنبًا إلى جنب على تحقيقه، وأن الزيارات السابقة التي قام بها عسكريون أمريكيون إلى المحافظة كانت مرتبطةً به.
ليتضح من ذلك أن شعارَ “مكافحة التهريب” الذي تكرّرُ الولاياتُ المتحدة رفعَه لتبرير تحَرّكاتها في المهرة، يخفي وراءه مخطّطًا أوسعَ بكثير، يهدف لتثبيتِ الوجود الأمريكي والسعوديّ والإماراتي في المحافظة، وتحقيق المطامع الاقتصادية والتجارية والسياسية التي خُطَّطَ لها مسبقًا.
يتساءل مراقبون للشأن اليمني عن أبعاد التواجد العسكري الأمريكي في المهرة الواقعة أقصى شرق اليمن في الحدود مع سلطنة عمان والبعيدة عن مسرح المواجهات العسكرية، وكذا في محافظة حضرموت، ولماذا هذا التواجد الأمريكي في السواحل اليمنية، والحقيقة تؤكد نوايا أمريكا السيئة في إحكام سيطرتها على منابع النفط اليمنية والتحكم البحري في بحر العرب والمحيط الهندي.
واعتبر محافظ المهرة القعطبي علي حسين الفرجي – زيارة الوفد الأمريكي الذي ضم السفير ستيفن فاجن وقائد القوات البحرية الأمريكية براد كوبر، إلى محافظة المهرة – انتهاكاً سافراً للأعراف الدبلوماسية الدولية، وعملاً عدائياً وانتهازياً، كما اعتبره استفزازاً لإرادة الشعب اليمني الرافض للوجود الأجنبي بكافة أشكاله في الأراضي اليمنية.
وقال علي الفرجي: إن المحتل الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي، استغل معاناة المواطنين جراء تدني الأوضاع المعيشية في المحافظات المحتلة، واستخدم ما يمتلكه من ترسانة عسكرية لإرهاب المواطنين وبسط سيطرته على القطاعات المدنية والعسكرية والخدمية ونهب ثروات البلاد.

 

* نقلا عن :الثورة نت


في الأربعاء 26 إبريل-نيسان 2023 08:35:40 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=8031