|
يمتاز الجيل الصاعد في مجتمعنا، ولربما في محور الجهاد والمقاومة ككل، لاسيما إذا أخذنا معظم العمليات البطولية التي قام بها أبناء الشعب الفلسطيني المجاهد، ضد كيان العدو الصهيوني الغاصب، على امتداد أكثر من عام ونصف، بعين الاعتبار، يمتاز بالعديد من السمات والخصائص التي من شأنها أن تتدخل في بناء شخصيته الإنسانية إلى الحد الذي سيجعله على قدرٍ عالٍ من السمو الروحي، والكمال الأخلاقي، والوعي الفكري، وقوة الإرادة، والقدرة على الفعل، من موقع المبادرة والسعي الحركي المستمر، القائم على الإبداع والخلق والابتكار، كل ذلك بناءً على ما اختزنته روحية هذا الجيل الصاعد من مبادئ وقيم ومقومات إيمانية انعكست على نفسيته، وتجسدت في واقع حياته. وكان أبرز شواهد هذا التداخل والتمازج والانعكاس هو: الاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل الله والمستضعفين على الدوام، وتحت أي ظرف من الظروف.
من هنا نفهم مغزى رسالة سيد الثورة أبي جبريل روحي له الفدى، التي وجهها ذات إطلالةٍ من إطلالاته المباركة، إلى قوى الاستكبار والشر والعدوان، قائلاً لهم: «الويل لكم من الجيل القادم، الويل لكم من هذا الجيل». ثم يسترسل، أيده الله، في بيان المؤهلات التي قامت عليها شخصية هذا الجيل، باعتبارها البيئة التي احتضنته، وصاغت جميع مبانيه ومكوناته التربوية والنفسية والفكرية والعقائدية والاجتماعية وغيرها، فهو كما يقول: «جيلٌ تربى في أحضان الإيمان والجهاد، جيلٌ عاش في آلام المعاناة، فاعتاد على الصبر، وتشرب معاني العزة والصمود، برغم ما لحق به من أحزان وأوجاع وغربة وفقد، إلا أن ذلك كله لن يكسره، بل زاده قوة وفاعلية واستبسالاً واندفاعاً، فكيف سيعمل أولئك الأعداء أمام جيلٍ هذا حاله؟! إذ من المستحيل تحقيق الغلبة عليه، بمختلف الوسائل، كما أن صراعهم معه ليس كسابقيه، نظراً لفرادة هذا الجيل، التي توحي باختلافه كلياً عن كل الأجيال التي عاصروها، إذ لا مثيل له إلا في مدرسة وبيت رسول الله محمد، صلى الله عليه وآله، ولهذا المعنى ما له من دلالات وأبعاد لا تعد ولا تحصى»!
إن هذا الجيل هو الذي سيقدم في المستقبل، من خلال حركته العملية، الشهادة الحقيقية على مدى عظمة المشروع القرآني، ويكشف لنا بجلاء ما فيه من سعة وعمق وشمولية، تمكنه من العطاء في كل المجالات، بالمستوى الذي يحقق التقدم والرقي والكمال للحياة والأحياء، وذلك لسبب بسيط، هو: أن هذا الجيل سيتلقى الثقافة القرآنية من واقع سلامته الفطرية التي لم تُدنس بعد، بتلقي ثقافات أخرى قد تتنازع مع ثقافة القرآن في داخله، كما هو حاصل لدى بعض الجيل الذي سبقه، وبالتالي فلن ينتج عن القرآن الصامت إلا قرآن ناطق. هذا جانب. والجانب الآخر هو: أن هذا الجيل قد أقبل على القرآن باعتبار القرآن معلماً له، ولم يقبل عليه كما يفعل بعض الناس الذين فرضوا أنفسهم على القرآن، وكأنه هو الذي يجب أن يتعلم منهم، لا العكس، الأمر الذي جعلهم يقدمون شهادة للباطل على فشل الحق في واقع الحياة، وعجزه عن بناء نموذج حضاري وإنساني.
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 09 مايو 2023 12:19:49 ص