|
أواخر شهر إبريل الماضي، أكدت مجموعة دولة بريكس دعمها سيادة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه وتسويته السياسية للقضية اليمنية. جاء ذلك في البيان الختامي لاجتماع نواب وزراء خارجية دول البريكس والمبعوثين الخاصين ببريكس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
رحب البيان بالمبادرة السعودية الأخيرة لإجراء محادثات مباشرة مع صنعاء، ودعا جميع الأطراف إلى استئناف الهدنة والدخول في مفاوضات شاملة بوساطة الأمم المتحدة، كما جدد المجتمعون الإعراب عن قلقهم العميق إزاء الأزمة الإنسانية في اليمن وشجعوا المجتمع الدولي على تقديم المساعدة الإنسانية لليمن".
يُعد البيان أول موقف جماعي مشترك لدول مجموعة البريكس، وهو مهم، وسيكون من الايجابي السعي نحو اقامة وتعميق العلاقات مع دول المجموعة التي تتخذ مساراً سياسياً واقتصادياً وثقافياً نقيضاً للتوجهات الغربية والصهيونية، وستتعاظم أهمية علاقة اليمن بدول البريكس في مرحلة إعادة البناء.
تفوقت مؤخراً في النمو الاقتصادي على "مجموعة الدول السبع الصناعية الغربية، وهي تنسف بذلك كل أطروحات الاقتصادية الليبرالية التي تزعم أن النموذج الغربي الاقتصادي هو نموذج التنمية الوحيد الناجح.
ظهور تكتل البريكس هو تجسيد تاريخي لواقع التعددية القطبية عالميا الذي يتعمق، مهدداً بإسقاط نظام الأحادية القطبية الغربي الذي يتزعمه الحلف الأمريكي الاطلسي.
الصراع الاقتصادي بين الشمال والجنوب
بداية من تسعينيات القرن الماضي سيطرت الأحادية الغربية الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الاقتصاد العالمي عقب تفكك المعسكر الاشتراكي ، وتعمق بذلك واقع العولمة الغربية ، إلا أن التناقضات بين المراكز الإمبريالية وبين دول الأطراف بين شمال وجنوب الكرة الأرضية لم يتوقف، وعملياً لم تظهر التناقضات بين هذين المركزين الاقتصاديين إلى العلن، إلا مع دخول القرن الادي والعشرين، مع تنامي الصناديق السيادية المالية للصين وروسيا، ومع سياسة الصين إلى تخفيض قيمة عملتها الوطنية "الين" أمام الدولار والذي يعطيها أفضلية في أن تكون وجهة للمستوردين.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في عام م2008 هناك نشاط ملموس من قبل بعض الدول -على رأسها الصين ودول صاعدة أخرى- للعمل على تغيير قواعد اللعبة، ووجود نظام اقتصادي عالمي لا تسيطر عليه أميركا والغرب بمفردهما، لذلك بدأ الاتجاه نحو تفعيل التبادل عبر العملات المحلية بين بعض الدول، على رأسها الصين وروسيا وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
في هذا السياق ظهرت مجموعة دول البريكس كتعبير عن توافق المصالح الاقتصادية لشعوب الدول المتضررة من هيمنة الأحادية الغربية، وضمن مساعي التعاون بين الدول النامية ، وتعد دول مجموعة البريكس حالياً من أكثر الدول نمواً في العالم، وكان إطلاق "البنك الأسيوي" بمثابة دق جرس الإنذار عن وجود بديل مستقبلي للبنك الدولي التي تهيمن الولايات لمتحدة الأمريكية على معظم اصوله المالية، وقد ساهمت الصين فيخ بنسبة كبيرة، نظراً لسعة الاحتياطي النقدي المتوفر لديها.
وهذه الخطوة أثارت بشكل كبير مخاوف الغرب من سعي صيني روسي لتغير قواعد النظام الدولي بداية من الاقتصاد وصولاً إلى السياسة والعسكرية، وهو ما بات واضحاً في الوقت الراهن وخصوصاً من بعد الأزمة الأوكرانية(2022م) وتحولها إلى ساحة صدام بين الشرق والغرب الإمبريالي.
ما هي مجموعة البريكس
تتكون مجموعة بريكس "BRICS"من الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009 حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. وعقدت أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول "بركس" في يوليو/تموز عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية حيث اجتمعت آنذاك قمة "الثماني الكبرى". وشارك في قمة «بركس» رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية الصين الشعبية هو جين تاو ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. واتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلاً من "بريك" سابقاً.
دول جديدة تهتم بدخول التكتل
أبدت الجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا ومصر وإندونيسيا وإيران والمكسيك ونيجيريا وباكستان والمملكة العربية السعودية والسودان وسوريا وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا وزيمبابوي والارجنتين اهتمامًا بعضوية بريكس. في 16 مارس 2023 ، أعلنت روسيا أنها تدعم محاولة الجزائر للانضمام إلى البريكس، وكذلك الترحيب بدعوة السعودية إلى الانضمام.
تحالف الاقتصاد والسياسية يتعزز
تشكل مساحة دول بريكس ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40 % من سكان الأرض. رغم الطابع الاقتصادي المباشر لمجموعة البريكس إلا أنها تتكتل في شكل سياسي، ويتعمق المساران السياسي والاقتصادي في آن خصوصاً مع الصدام العسكري مع الغرب في أوكرانيا والتي تحمل كلفته العسكرية المباشرة روسيا.
وبدأت "بريكس" في تقديم نفسها كبديل للكيانات المالية والسياسية الدولية الحالية، بعدما بدأت كرمز للاقتصادات الأسرع نموا حول العالم، ويبدو أن الأمر قد يصبح حقيقة قريبا، ليس فقط من خلال الناتج الإجمالي للمجموعة والذي تفوقت فيه على "السبع الصناعية".
ومن ضمن ما تقدمه "بريكس" كبديل لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أنشأت المجموعة "بنك التنمية الجديد" برأس مالي أولي قدره 50 مليار دولار، مع وضع احتياطات نقدية طارئة تدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها، ويعتبر خبراء أن هذه الخطوة قد تزيد نفوذ "بريكس" عالميا، حيث تلجأ إليها الدول التي تعاني من سياسات المؤسسات المالية الدولية، وهو ما اتضح حين بدأت دول مثل مصر وبنغلاديش في الاكتتاب في البنك بمليارات الدولارات.
ووافق بنك التنمية الجديد على قبول مصر كعضو جديد، وتم الإعلان عن ذلك أثناء اجتماعات قمة قادة دول البريكس في ديسمبر 2021، وأقرت مصر العضو الرابع الجديد، حيث تم قبول عضويتها ضمن التوسعة الأولى لنطاق انتشار البنك عالميا، وسبقتها، منذ سبتمبر 2021، كل من بنغلاديش، والإمارات العربية المتحدة وأوروغواي.
مجموعة بريكس تتفوق عالمياً
في الوقت الذي يسعى فيه الغرب للسيطرة عالميا، ظهرت مجموعة "بريكس" لتعطي أملا لدول العالم في أن عالم القطب الواحد لن يستمر إلى الأبد، وأن هناك من يفكر في تغيير كبير، ليس اقتصاديا فقط، لكن سياسيا أيضاً.
الأرقام التي تعلن أخيراً عن مجموعة "بريكس" اقتصاديا، وإعلان دول عديدة رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، تؤكد أن هذه المجموعة التي بدأت من خلال 4 دول فقط، وانطلقت من روسيا، ستعمل على تغيير كبير في موازين القوة الاقتصادية والسياسية عالميا.
تم الإعلان أخيرا عن تفوق مجموعة "بريكس" لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، وذلك بعد أن وصل إنتاج "بريكس" إلى 31.5% مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية.
تفوقت دول مجموعة بريكس لأول مرة على القوى الصناعية السبع الكبرى الغربية في العالم(بريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة)، حيث توفر بريكس 31.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 30.7 بالمئة لهذه القوى.
وحسب ما ذكرت صحيفة (لو جورنال دو ديمانش) الفرنسية فإن “هذا التفوق إلى جانب التفوق الديموغرافي لمجموعة بريكس دحض الأساطير حول الدول النامية، وأثبت ظهور قوة متقدمة على الولايات المتحدة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتجاه الصعودي لمجموعة بريكس التي تضم “روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا” سيستمر خاصة في ظل نمو أسواق الهند والصين.
بدورها لفتت شركة الاستشارات البريطانية “أكورن ماكرو كونسولتين” إلى أن مجموعة بريكس تتمتع في الوقت الراهن بوزن اقتصادي أكبر من الدول السبع الصناعية الكبرى من الناحية الصناعية في العالم، لافتة إلى أنها تتقدم ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن من الناحية الديموغرافية حيث يعيش 800 مليون شخص في دول مجموعة السبع مقابل 3.2 مليارات في دول بريكس.
كذلك أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الصين ستقدم في السنوات الخمس المقبلة أكبر مساهمة في النمو الاقتصادي العالمي وستكون حصتها ضعف حصة الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تبلغ حصة الصين في نمو الاقتصاد العالمي 22.6% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي حتى العام 2028، وفقا لحسابات وكالة "بلومبرغ" تليها الهند بنسبة 12.9%، بينما ستقدم الولايات المتحدة 11.3%.
ولهذه المسألة مغزاً اقتصادياً هاماً، فعملية التحديث الاقتصادية الصناعية الرأسمالية بدأت في أول الأمر في الغرب الأوربي وأمريكا وكنداً وظل التطور الصناعي لقرون محتكر على هذه الدول، وبالتالي فقد ظلت التخلف سمة لكافة دول العالم التي ظلت في موقع المُهيمن عليها بشكلي الاستعمار العسكري والاقتصادي معاً.
هذا المتغير لا يعني فقط أن الدول التي كانت متخلفة ومُستعمرة وشبه مستعمرة أنها باتت تمتلك القدرة على التحدث الصناعي ومغادرة موروث الاقطاع واشكال الاقتصاد القديمة، بل يعني أن هذه الدول باتت الأسرع في النمو وقادرة على منافسة المركز الغربي، وهو ما يعني بلغة السياسة أن التعددية القطبية من الناحية الاقتصادية باتت واقعاً.
مجموعة بريكس تشن حرباً على الدولار
منذ سنوات بدأت بوادر تهديد عرش الدولار، وإمكانات تحقق ذلك اليوم أكبر مما كانت عليه في الأمس، فالأصوات المنادية باعتماد العملات التجارية بدلاً من الدولار، الأصوات التي صدرت من تركيا وإيران وروسيا والصين وفنزويلاً، سيكون لها تأثيرات مستقبلية، على هيمنة العملة الأمريكية على التجارة الدولية، وخاصة إذا ما انضمت مزيد من الدول إلى هذا التوجه الجديد في الاقتصاد العالمي.
في سبتمبر من العام 2018م أكدت الصين وروسيا، سعيهما لزيادة التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلية، والابتعاد عن التعامل بالدولار، وفي ذات العام اتفقت الحكومة الإيرانية مع نظيرتها الصينية على استخدام العملات المحلية للبلدين، بدلاً من الدولار في التبادلات التجارية الثنائية، بحسب ما أعلن وزير الاقتصاد الإيراني مسعود كرباسيان، عقب عودته من بكين برفقة الرئيس حسن روحاني، وجرى الاتفاق على هامش قمة شنغهاي، وفي مارس 2021م وقعت كل من إيران والصين اتفاقية تعاون استراتيجية لمدة 25 عاماً.
في مطلع العام 2022م من شهر مارس، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن الرياض تجري مشاورات مع بكين لتسعير بعض من صادراتها النفطية باليوان، ومن شأن ذلك أن يهدد نظام البترو دولار، وذات التوجه اتخذته فنزويلا ببيع نفطها بعملة غير الدولار وهو توجه، صرح به الرئيس الفينزويلي في العام 2017م وقال مادورو في حديث تلفزيوني "لقد قررت البدء ببيع النفط والغاز والذهب والمنتجات الأخرى التي تصدرها فنزويلا بعملات جديدة من بينها اليوان الصيني والين الياباني والروبل الروسي والروبية الهندية وغيرها.. وأضاف "إقامة نظام اقتصادي متحرر من الأمبريالية الأميركية أمر ممكن التحقق".
ولعل أكثر التوجهات خطورة على مستقبل هيمنة الدولار، هو ما صرح به الرئيس الروسي/ فلادمير بوتين أن العمل جار على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات "بريكس"، وهو توجه يختلط فيه الاقتصادي مع الصراع السياسي والعسكري الراهن بين الغرب وروسيا في أوكرانيا، مختلف هذه المؤشرات تذهب بالتحليل إلى أن سيادة الدولار، لم تعد ممكنة.
الولايات المتحدة والغرب لديهم مخاوف من ظهور تكتل جديد يستحوذ على الوضع الاقتصادي ويكون له اليد العليا في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يهدد امبراطورية الدولار، وتخوض مجموعة بريكس بزعامة روسيا حرباً لكسر هيمنة الدولار على التسويات المالية الدولية وسيطرة أميركا والغرب على النظام المالي العالمي، وقد لمسنا خطوات موسكو لجعل تجارتها للنفط بالروبل، وكذلك تسوية تجارتها مع بعض الدول بالعملات المحلية.
دعا الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، في زيارته الأولى للصين، البلدان في جميع أنحاء العالم للتخلي عن الدولار الأميركي لصالح التداول بعملة مشتركة أو عملات وطنية موجودة، وهو ما فعلته البرازيل في تجارتها الخاصة مع الصين قبل أسابيع فقط.
ونشرت مجلة "نيوزويك" (newsweek) الأميركية تقريرا يقول إن الرئيس البرازيلي تساءل عن السبب في كون دول العالم مجبورة على دعم تجارتها بالدولار، ولا يمكنها أن تقوم بتجارتها من خلال عملاتها الخاصة.
ويستهلك الارتباط بالدولار الأميركي أموال الدول، فرسوم التحويل لها تأثير سلبي، خاصة عندما تتم التجارة بأحجام كبيرة، كما هو الحال بين أعضاء البريكس، ولهذا فإنه إذا كانت هناك طرق لخفض تكاليف المعاملات، لتقليل مخاطر العملة أو سعر الصرف، فستكون الدول على استعداد للقيام بذلك
استخدام العملات الوطنية قد ينظر إليه من قبل بعض البلدان كوسيلة لخفض تكاليف المعاملات المرتبطة بالتحويلات إلى الدولار، فضلا عن تقليل العملة حالات عدم التطابق التي غالبا ما تصاحب المستويات المرتفعة للدولار.
المصادر:
روسيا اليوم، " بوتين: العمل جار على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات "بريكس""، 22 يونيو 2022م
روسيا اليوم، " بوتين: العمل جار على إنشاء عملة احتياط دولية على أساس سلة عملات "بريكس""، 22 يونيو 2022م،
سانا،" مجموعة بريكس تتفوق على القوى السبع الصناعية الكبرى في العالم"،( 2023-04-11)
روسيا اليوم، ""انقلب الميزان".. "بريكس" تتفوق على G7 بالاقتصاد العالمي"،( 19.04.2023)
الجزيرة نت،" صراع تجمع البريكس ومجموعة السبع الصناعية.. هل نحن أمام نظام اقتصادي عالمي جديد؟"،( 5/7/2022)
سبوتنيك،" "بريكس"... قوة صاعدة تواجه مجموعة "السبع" وتحطم أرقامها الاقتصادية"،( 11.04.2023)
سبوتنيك،" ما مستقبل النظام الاقتصادي العالمي في ظل الاتجاه التصاعدي لتكتل "بريكس"؟"،( 11.04.2023)
روسيا اليوم،" مصر تنضم إلى بنك جديد يضم تحالف "بريكس" بقرار من السيسي" (30.03.2023)
* نقلا عن :سبأ نت
في الأربعاء 10 مايو 2023 08:22:31 م