تسييس المنابر
محمد صالح حاتم
محمد صالح حاتم

منذ بزوغ فجر الإسلام بمبعث سيد الخلق وخاتم النبيين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم،وقيام الدولة الإسلامية والتي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم،فكان للمسجد والمنبر دور أساسي ورئيسي في تعليم أمور الدين ،فكان المسجد بمثابة رئاسة الدولة ومقر الحكومة ومكان عقد الاجتماعات ،وتدارس أمور العامة، ووضع الخطط العامة للدولة ، وتعليمهم أمور دينهم.

فكان المنبر هو مركز نقل المعلومات وتبليغ الناس بالأوامر الربانية والقرارات التي كان يتم اتخاذها في عهد الرسول والخلفاء الراشدين وبقية حكام الدولة الإسلامية،فكان إمام المسلمين وحاكم الدولة هو من يؤم الناس بالصلاة وهو من يخطب بهم الجمعة ،وظل كذلك لعدة عقود من الزمن،وهو ما جعل من الدولة الإسلامية دولة واحدة قوية وكان المسلمون متوحدين في كل أمورهم، فلا يوجد بينهم مذهبية ولاطائفية ولامناطقية لأن المنبر كان يحمل رسالة دينية بعيدا عن السياسة ،فكان العلماء يقولون الحق وعندما يخطئ الحاكم يقفون في وجهه ليعيدوه إلى جادة الصواب ،وهو عكس ما هو حاصل اليوم في زماننا هذا ،الذي أصبح المنبر تابعاً للحاكم وخاضعاً لسياسة الدولة، وهذا نوع من أنواع الغزو الفكري والديني الذي غزانا به أعداؤنا، وذلك عندما عرفوا دور المسجد والمنبر في تربية الأجيال وتوجيه الحكام وتخطيط سياسة ونظام الحكم ،فقاموا بقلب الرسالة فجعلوا من المنبر مركزاً لبث الحقد والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة ،ونشر ثقافة المذهبية والطائفية،وتحليل قتل النفس البريئة وشرعنة الحروب والقتل بين المسلمين ،وذلك خدمة لسياسة الدولة.

فما هو حاصل في أمتنا العربية والإسلامية من ضعف وهوان وذل وانحطاط سببه بعدنا عن تعاليم ديننا الصحيحة، وتغيير رسالة المسجد والمنابر والتي حصروها على الصلاة فقط بدلا من انه كان هو المدرسة والجامعة والكلية العسكرية فكان المسجد يتخرج منه الحاكم والقاضي والجندي وقائد الجيش والوزير والتاجر ،وهو مركز قيادة الدولة الإسلامية العظيمة لأن سياسة الدولة كانت تتخذ وتصدر القرارات من داخل المسجد وتذاع عبر المنبر ،أصبح اليوم مكاناً للتفرقة والشتات وإعلان العداء والقتل،ضد أبناء البلد الواحد لاختلافك معهم في المذهب أو الحزبية والسياسة، فأصبحت المنابر وخطباؤها يتبعون أحزابهم وانتماءاتهم الحزبية ويتوجهون وفق توجهات أحزابهم السياسية،فهذا المسجد وخطيبه يتبع الحزب الفلاني وذاك يتبع الحزب الفلاني فنسمع الخطيب يتكلم ويسب ويلعن ذلك الحزب ويعمل على نشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع ،فما حرمته السياسة أصبح اليوم للأسف حراماً ،وما أحلته السياسة أصبح حلالا .

وهؤلاء العلماء والخطباء هم علماء سلطة وخطباء السياسة، فما نلاحظه اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تفرقة وحروب وقتل لدرجه أن البعض يقوم بشن عدوان وحرب ويتسبب في قتل الآلاف من العرب والمسلمين،ويزهق النفس التي حرمها الله ،والسبب خلافات سياسية وتنفيذاً لأجندات ومخططات الأعداء والمحتلين،وعندها يقوم العلماء والخطباء ويحللون ويباركون ويفتون بجواز الحرب وشرعيه القتل ويدعون الله أن يوفق حكامهم وقاداتهم في حربهم وقتلهم لإخوانهم الذين يشهدون ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،كما حصل في حرب العراق والصومال والسودان وليبيا وكما هو حاصل في سوريا واليمن .وهذا لا يخدم إلا عدو الأمة العربية والإسلامية وهو الكيان الصهيوني الغاصب،الذي يسعى لتدمير الأمة العربية واحتلالها،وإعلانه قيام الدولة اليهودية الكبرى.
فعندما تم تسييس المنبر وإبعاده عن أداء رسالته الحقيقية ،أصبح حالنا كما هو اليوم صراعاً وحروباً وقتالاً ودماراً وجوعاً وأمراضاً .
ولن تعود الأمة العربية والإسلامية إلى تاريخها المشرق ومكانتها بين الأمم إلا عندما تعود للمسجد مكانته،وللمنبر رسالته.

في الجمعة 16 مارس - آذار 2018 07:17:15 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=821