|
من المستحيل أن يحدث أي تغييرٍ للوضع المزري الموجود، إلا إذا اتجه الأحرار لكشف كل الظواهر السلبية، وبيان عللها وأسبابها، ووضع الحلول والمعالجات الكفيلة بإزالتها، أو على الأقل بالحد من تأثيراتها وآثارها الهدامة التي تطال كل شيء، دون استثناء.
ولكن هذا التوجه ليس بالأمر السهل، بحيث يكون بإمكان الجميع أن يختاروه، ويصبحوا على استعداد تام لدفع الضريبة المتوجب دفعها نتيجة ذلك الاختيار، الذي عرفوا طرقه، وأدركوا طبيعته، وأحاطوا علماً بكل ما فيه من مخاطر وتهديدات وعقبات ومزالق، إذ المطلوب أولاً وقبل كل شيء أن يكون الإنسان حراً، بالمستوى الذي يجعله قادراً على أن يقول ما يجب قوله، مادام منطلقاً في ما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا يهتم بعدها بردة فعل فلان أو علان التي سيقابلانه بها، جراء ما قاله.
وثانياً، لا بد لذلك القول أن يتحول إلى موقف، وإلا بات فاقداً قيمته المعنوية، فكم من الناس الذين عرفوا الحقيقة، واستطاعوا هضمها، والتعبير عنها، فترةً من الزمن، ولكنهم سرعان ما تنازلوا عما التزموه كعقيدة، وتمثلوه في أقوالهم وأفكارهم عند أول نقطةٍ كانت تتطلب منهم أن يعملوا على تحويل أقوالهم وأفكارهم إلى مواقف عملية، يعيشها الناس، ويشاهدونها في حركة وواقع أولئك.
وثالثاً، إن الحر الحقيقي والخالص من كل النقائص والشوائب الروحية والفكرية والأخلاقية هو الذي ينتصر على كل التهديدات والظروف، ويتغلب على كل المخاوف، ولا يسقط أمام التحديات والأخطار والعقبات التي يضعها الآخرون في طريقه، رغبةً بكبح جماحه، واستعادته إلى حظيرة الاستعباد من جديد، لأنه قد اتخذ قراره بألا يُفضل على الجنة شيئاً، وعليه، فإن كل ما سيلقاه من آلام ومعاناة، وإقصاء وتهميش ومضايقات، وتهجير وعذاب، وحتى قتل، لن يكون سبباً في تغيير موقفه واختياره، باعتبار ذلك كله لا يساوي شيئاً إذا ما قيس بنار جهنم.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 22 مايو 2023 08:47:46 م